نقلا عن موقع:
اخبار السعيدة - صنعاء - علي الجلعي التاريخ : 09-03-2010
ضمن البرنامج الثقافي لمركز دال للدراسات والأنشطة الثقافية لعام 2010م أقيمت يوم الأحد محاضرة تحدث فيها الأستاذ الدكتور/عبد الله معمر الحكيمي أستاذ علم الاجتماع المشارك بكلية الآداب جامعة صنعاء والامين العام لمركز منار للدراسات وحقوق الإنسان حيث كشف عن وثيقة تاريخية للشيخ /عبد الله علي الحكيمي رائد الأحرار اليمنيين خاطب فيها الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان المنتهكة في اليمن في عهد الأئمة وقد تحدث الدكتور عبد الله الحكيمي حول الوثيقة حيث قال:-
إن المواد التي تعمد الحكيمي إيرادها وتفنيدها مع إسقاطها على الواقع اليمني، وعند مقارنتها مع النص الوارد في المذكرة ـ مع النص العربي للإعلان، المستخرج من موقع الأمم المتحدة الالكتروني لوحظ وجود تباينات لفظية طفيفة بين النصين:
ففي نص المذكرة .... في المادة الرابعة من وثيقة حقوق الإنسان ما نصه "لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي أن يعيش آمنا مطمئننا" بينما النص العربي للإعلان العالمي، يشير إلى أنها المادة 3 " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، ويتجلى الفرق بينهما في "أن يعيش آمنا مطمئنا". وهذه العبارة تقابل في المعنى ما ورد في النص العربي للإعلان.."سلامة شخصه"، بل ان "آمنا مطمئنا" أكثر دلالة وقوة في مضمونها الاجتماعي والديني والأخلاقي من "سلامة شخصه".
وفي المادة السادسة كما جاء في المذكرة "لا يجوز أن يعذب إنسان أو أن توقع عليه عقوبات قاسية غير إنسانية أو مزرية بالكرامة". تقابله المادة الخامسة في النص العربي، وتنص على " لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة". وتبدأ فروق النص واضحة في المذكرة والتي يبدأها بكلمة "لا يجوز أن يعذب ... الخ" وأنهاها بكلمة "مزرية بالكرامة". فالسياق العام لنص المادة كمضمون اجتماعي تعطي دلالة أعمق من حيث بعدها الإنساني العام لصالح نص المذكرة، مقابل النص العربي للإعلان "لا يعرض..." وان كان لنا نظر في الكلمتين الأخيرتين، "حاطه بالكرامة" من حيث دلالتها الاجتماعية والإنسانية كمفهوم اجتماعي له من القوة في المعنى والمضمون بحيث يمكننا اعتباره أهم وأكثر عمقا فيما لو أخذ كمفهوم منفصل عن السياق العام والسابق له في نص المادة، غير أن القصد من " مزرية بالكرامة" كما نظر إليها "الحكيمي" تدل على تجسد صورة الوضع اليمني في تلك الفترة، وهو وضع لا يمكن وصفه بغير المزري، وهذا يوضح لنا بُعد القراءة الواقعية والمنطقية التي انطلق منها الحكيمي.
أما المادة الثامنة كما جاء في المذكرة " الجميع متساوون أمام القانون، وعلى قدم المساواة ـ الحق في أن يحتمي به، وللجميع الحق في الحماية ضد كل تمييز، يعتبر خروجا على هذه الوثيقة وضد كل تحريض على هذا التمييز". بينما النص العربي للإعلان كما جاء في المادة 7 منه "كل الناس سواسية أما القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يختل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا". ويبدو الفرق بين النصين واضحا، فالمذكرة تنص على أن "الجميع متساوون أمام القانون... الخ، وهو استخدام سوسيولوجي المعنى والمضمون بدلالاته الاجتماعية الواضحة كبعد اجتماعي، بينما النص العربي انطلق من المقولة القانونية البحتة، "الناس سواسية أمام القانون... الخ"، وهو انطلاق أو بداية لاستخدام غير معيب... وإنما استخداما نصيا قانونيا جامدا في المعنى وصلبا في التحديد ينقصه البعد الحسي والوجدان الاجتماعي، الذي التقطه الحكيمي في نص مذكرته.
أما نص المادة العاشرة كما جاء في المذكرة "لا يجوز القبض على أحد أو حبسه أو نفيه أو تدخل تحكمي". ويقابلها المادة 9 في النص العربي للإعلان... "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفيا"، وسنلاحظ الشيخ الحكيمي استغرق في المحلية اللفظية هنا وفي المدلول الاجتماعي للمعنى في السياق الممارس من قبل السلطة الامامية تجاه الجميع من أفراد المجتمع، فالسلوك السلطوي للإمام كان حاضرا في ذهنه أثناء إعداد هذه المسودة وهو حضور ايجابي يستدل منه على أن قضية شعبه وأمته ظلت ملازمة له وحاضرة معه في كل الأوقات. فالحجز في معناه القانوني يقصد به وقف المتهم، أو حجزه مؤقتا في حال الاشتباه، أما الحبس كما أورده الحكيمي، يقصد به في القانون الحبس على ذمته جريمة فعلية، أي أن الجريمة واقعة فعلا على الفرد، والمقصود أن الإمام كان يتعامل مع المتهم "المحبوس" وكأنه مدان فعلا.
وان كان لدي الحكيمي، الامر يعني الصورة الحاضرة في الذاكرة لسجون الإمام التي لا تقيد الحرية الخاصة بالفرد فقط، بل وتمتهن وتنتقص من كرامته وأدميته العامة والخاصة، في ظل تلك السجون التي وصفها في رسائله لعبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية في وقت سابق، وهنا نجد صدق المعاناة والإحساس لديه بواقع الحال في بلده.
وفي المادة الحادية عشرة كما جاء في المذكرة تشير إلى أن "لكل شخص الحق على قدم المساواة التامة في أن تسمح دعواه بطريقة عادلة وعليه أمام محكمة مستقلة وغير متحيزة لتقضى في حقوقه والتزاماته أو في وجود أساس لكل اتهام يوجه إليه في المسائل الجنائية" ويقابلها في النص العربي للإعلان "لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وأيه تهمة جنائية توجه اليه".
وكأني بالحكيمي في مذكرته أراد أن يقول.. "لا يوجد أساس لأي تهمة في اليمن توجه ضد زملائه الأحرار، بل بإنفراده في سياق المادة في المذكرة بضرورة ".. وجود أساس لكل اتهام يوجه ...الخ"، وهو تصريح ضمني من قبله وإشعار مباشر لهيئة الأمم المتحدة، بأن التهم تكال في اليمن كيلا، وان الظلم يسود على كل البشر، وهي فطنة تميز بها الحكيمي عن غيره، بل وبروز للحس السوسيو سياسي لديه. ولا تعليق لدينا لأكثر مما ذكر هو في متن مذكرته هذه بالقول "لا محاكم مستقلة أو غير مستقلة، بل هنالك أشخاص من الموالين للحكومة تفرقهم في أنحاء البلاد ليحكموا بمقتضى إرادتها". وهو إجمال واضح المعنى. وفيه إشارة أيضا لقوافل المحاكم المتنقلة التي كان الإمام يخرجها للقرى ومناطق الأرياف لنظر القضايا بين المتخاصمين بصورة مستعجلة.
وجاء في المادة الثالثة عشرة بأنه "لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تحكمي في حياته الخاصة أو في أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أن يعتدي على شرفه وسمعته، ولكل إنسان الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل وذلك الاعتداء". أما في النص العربي للإعلان المادة 12 "لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات" ، ونص الإعلان هنا يبدأ بتثبيت هذه المادة بكلمة " لا يعرض أحد لتدخل تعسفي"، بينما تبدأ المذكرة في تثبيت المادة بكلمة "لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تحكمي"، والفرق بينهما واضح من حيث المعني والدلالة، فـ "لا يجوز .... تحكمي" يحمل في عمق المعنى المضمون الشرعي والديني كقيمة دينية وشرعية بل وأخلاقية لدى الحكيمي تتأكد في عمقها بمضمونها القانوني والاجتماعي العام في اليمن وليس الخاص به كفرد من المجتمع اليمني ومتشرب بالثقافة الدينية والإسلامية فقط، أو حتى في حال الإضافة إليها ثقافته وعمله بالنشاط السياسي ومقاومة الظلم.
ومما يؤكد قوة استنتاجنا هذا ما هو لاحق في نص المادة بنصها العربي للإعلان .... أو "الحملات على شرفه وسمعته" وما جاء في متن مذكرته من استخدامه لعبارة ".... ولا أن يعتدي على شرفه وسمعته"، فتشويه السمعة والشرف، نظر إليه باعتبارها اعتدى على حق خاص، بل ومنحه القدسية والتميز الخاص كحق فردي للإنسان، وإنسانية تزيد من إنسانية البشر دون سواهم، وأن المساس بها اعتداء صارخ، وأكثر فداحة من أي اعتداء أخر على الإنسان.
ولذلك يسخر في نهاية تعليقه على ذلك بالقول ".... أما الحق في حماية القانون فلا قانون كي يحمى"، وهي سخرية في مكانها، فأين هو القانون لكي يحمى!!. وأين هي حقوق الإنسان لكي يدافع الجميع عنها!!. وأي حقوق هذه التي تتحكم في حياة الفرد الخاصة؟!. وأسرته! ومنزله! بل وتعتدي على شرفه وسمعته!!؟؟.
غير أن استخدامه للفظ "إنسان" عوضا عن "شخص" يعطينا مؤشرا أخر على براعته في انتقاء الألفاظ والعبارات. فكلمة "شخص" قد يكون المقصود بها شخصية معنوية كالمؤسسات، أو يقصد بها شخص طبيعي، كالفرد المجسد في الحق الإلهي الممنوح كحق تستكمل معه آدمية الإنسان، أو إنسانية الإنسان، فهو من يحتاج إلى الحرية والمساواة والحفاظ على السمعة والشرف، وليس المؤسسة أو الكيان الاعتباري المندرج تحت لفظ "شخص".
وإذا كان النص العربي للإعلان العالمي قد أتاح "لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هربا من الاضطهاد"، كما جاء في المادة 14 الفقرة ـ أ ـ فالمذكرة تشير في متنها إلى... ما نصه في المادة الخامسة عشرة بأن.. "لكل إنسان الحق إزاء الاضطهاد في أن يبحث عن ملجأ، وأن يستفيد من وجود هذا الملجأ في بلاد أخرى".. غير أن الأكثر أهمية ما ذيل به هذه المادة من الشرح والتعليق بالقول "كذلك نحن هاجرنا من وطننا والتجأنا إلى بلدان متفرقة من جراء الاضطهاد والجور في بلادنا من قبل حكومتنا الديكتاتورية ونستفيد الان من هذا، علما بأنا نرفع شكوانا واستغاثتنا إلى لجنة حقوق الإنسان، ولها أن ترسل لجنة تحقيق لتتبين صدق ما نشكو منه"، وفيه يرسم لنا ولـ لجنة حقوق الإنسان، وضعا قاتما سوداويا، بل وأكثر سوداوية من أي وصف أخر باستخدامه لكلمات .. "هاجرنا .. بلدان متفرقة... الإضطهاد والجور.... الديكتاتورية" وتكتمل الصورة القاتمة لذلك الوضع، بإعلانه لطلب الاستغاثة من لجنة حقوق الإنسان. وهي دلالة على أن الشعب اليمني، شعبا منكوبا من الإمام وحكامه، كما أن الإحساس السياسي كان مغلفا بالحس السوسيولوجي العميق للشيخ.
اما المادة التاسعة عشرة حسب ما ورد في المذكرة أن "لكل إنسان الحق في حرية التفكير والاعتقاد والديانة... الخ". بينما في النص العربي للإعلان تشير المادة 18 إلى أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة".
وبما أن "الإنسان" أعظم المخلوقات، وفي الحق والصفة فضل استخدامها، مما استخدمه الإعلان العالمي "شخص"، وان كان لم يستكمل في مذكرته بقية نص المادة دليل على فطنته، حيث اكتفى بالتوقف عند حرية التفكير والاعتقاد والديانة، حتى لا ينزلق إلى "حق تغيير ديانته أو عقيدته" كما نص الإعلان، من كونه رجل دين ومسلم وفي ذات الوقت داعية إسلامي له مكانته التي يعلمها الكثيرين، مما قد يحسب عليه بجواز الردة في الإسلام.
بينما الأمر كان مختلف فيما عرف بالمادة العشرون في مذكرته، والذي نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير بما يتضمنه ذلك من الحق في أن يزعج بسبب أرائه، والحق في أن يستقصي ويتلقي وينشرـ دون اعتبار للحدود ـ الأخبار والآراء بآية وسيلة من وسائل التعبير". والتي تقابل في النص العربي للإعلان المادة 19 .. "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". إذ أكتفى بإيراد النص دون الغوص في أعماقه وبنائه الداخلي للعمق السوسيولوجي كنصوص المواد السابقة.
لكن المادة التي عرفها بالحادية والعشرين وجاء فيها بأن "لكل إنسان الحق في حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات السلمية"، سنجده يعود فيها ثانية إلى حرية إنتقاء الكلمات ذات الدلالة العميقة والتي تشير إلى البعد السوسيولوجي في المعنى والمضمون لكلمة "لكل إنسان" عوضا عن كلمة.. "لكل شخص". وتقابلها نص المادة 20 في النص العربي للإعلان الفقرة ـ أ ـ "لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية".
ونفس الأمر حدث مع المادة التالية والتي عرفها بالمادة السابعة والعشرين، أن "لكل إنسان الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم مجانيا.... الخ"، ويقابلها في النص العربي للإعلان المادة "26" الفقرة أ والتي تبدأ بـ "لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولي والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة".
وفي مجمل تعليقه على هذه المادة في متن المذكرة يجمل لنا مجموعة من الحقائق عن الوضع الخدمي في اليمن، من تعليم وصحة، ووسائل النقل، والمياه، والكهرباء، .... الخ. والذي وصفها بالعدمية المطلقة.
ويستكمل الشيخ الحكيمي وصف الوضع القاتم لليمن في الصفحة الأخيرة من هذه المذكرة، أو بعبارة أدق استكمل التقاط الصورة الفوتوغرافية لواقع المجتمع اليمني من زاوية ورؤية تدل على مهارة المصور نفسه بعيدا عن مبالغات أو شطحات أو تعقيدات قد تضر بالهدف الذي سعى إلى تحقيقه من مذكرته هذه لـ لجنة حقوق الإنسان.
وللحديث بقيه
ختـــامـا:بأبي أنت وأمي أيها الشيخ الجليل .. لقد جئت في زمن غير زمنك، وفي وطنا لا يقدر فيه الرجال أمثالك، جئت في وطن لا قيمة فيه لرجال الفكر وأساتذة العصر امثالك.
في زمن لن تنجب فيه النساء رجلا له من الصفات كصفاتك ومن الصدق مثلك، ومن النظرة الثاقبة للغد، رجل فضائه الكون، وعالمه اللا محدود، وقدراته اللا معقول، وصفاته اللا مثيل.
بأبي أنت وأمي أيها الشيخ ... من جاءنا طيب عطره من زمن غابر إلى زمننا ممتدا نحو الزمن القادم. أنت من لا تزال مطالبك مكتوبة بحبر لم يجف، وقلما لم يغلق، وماء بريقه من ذهب.
أنت يا من يجد كل عطشا الفكر ينبوعا لا ينضب، وجوعا البطون زاد لا يجوعون بعده، أنت يا كتاب الفكر المقدس لكل من يعشق الفكر !!!.
ووعدا ... وعهدا على أنفسنا، أن لا ندع شاردة ولا وارده منك وعنك الا وعرفت وعرفنا بها عنك.
رحم الله شيخنا الجليل، وداعية حقوق الإنسان الأول في اليمن,, وابرنا الله به