الا يكفي هذا الانحدار لإنقاذ جامعة صنعاء؟!!!

الجمعة، 18 مايو 2012


              نحو دولة مدنية متعددة الأقاليم                   





د.عبد الله معمر الحكيمي
 




الجمعة 18 مايو 2012 12:08 ص
 الثورة الشبابية الشعبية السلمية جعلت من اليمن تقف أمام خيارين أو مفترق طرق, إما أن يتقسم الوطن إلى عدة دويلات بعد حرب أهلية أو ان يحصل الجميع على حقوق مواطنة متساوية من خلال الدولة المدنية المتعددة الأقاليم, يتم فيها التوزيع العادل للمال والسلطة والإدارة, وهنا من الضروري علينا ان نضع كل قضايانا على الطاولة في مؤتمر الحوار الوطني القادم, ونتعامل معها وجميعها دون استثناء بشفافية عالية, وموضوعية, بعيدا عن التشنجات والاتهامات, فإذا كنا قد اعترفنا بوجود قضية جنوبية بعد ان سقط مئات من الشهداء والجرحى, واعترفنا بوجود قضية في صعدة بعد ان خضنا ست حروب طاحنة نجد من الضروري ان نعترف بأننا أمام قضية وطن لا تتجزأ قضيته بين الصمت واللاصمت, وان نعترف بأن لنا مناطق لا تزال صامته لها قضايا أيضا, وعلينا أن لا ننتظر حتى نسمع صوت السلاح لنعترف بأن لهذه المناطق قضية, بل ان نعلن الآن, ان لتعز قضية ولتهامة قضية وحضرموت, والصحراء... الخ . ففي هذا الاعتراف الآن سيكون الغد أفضل لنا جميعا قبل ان يصبح سوادا علينا جميعا.


ومن تلك القضايا .. الاعتراف بأن اليمن بعد 11فبراير2011م, لم تعد تلك اليمن التي كانت قبل 11 فبراير 2011م, فلا يمكن لحزب أو جماعة أو قبيلة أو منطقة جغرافية ان تدير أو تسيطر أو تحكم كل اليمن. سواء باسم الدين أو السلالة أو المذهب, بحق ديني أو الهي, أو جغرافي. وبالتالي فإن البحث عن صيغة أو آلية جديدة لعلاقة الدولة بالمواطن, أصبح ملحا ومطلبا هاما لتحقيق المواطنة المتساوية لجميع ابناء الوطن, وان آلية الاستبداد يجب أن تتغير كليا وتتجه نحو بناء نوع جديد من العلاقة, تختلف تماما عن تلك الآلية التي فرضت منذ العام 1918م وحتى الآن, والتي لم تحقق المواطنة المتساوية, وكانت سببا في توسع الشرخ الاجتماعي والميل إلى الدفع نحو تنمية ثقافة الاستبداد الجغرافي ضد الآخر, باتباع عدة أساليب مساعدة منها ما هو ثقافي ومنها ما هو سلوكي(عملي) كلها تسير في اتجاه فرض الثقافة الاستبدادية والتوسع في نشرها حتى كادت ان تصبح عامة وضمن المكونات الثقافية لعموم المجتمع اليمني.


إننا نتجه إلى ان يحصل اليمني على حقه في المواطنة لانتمائه لليمن فقط, وليس لولائه لمذهب أو منطقة أو حزب أو قبيلة, وإنما لأنه مكتسب الجنسية اليمنية بالانتماء إلى اليمن.

لقد كنا ولا نزال في وطن يتسع للجميع, لكن ثقافة الاستبداد والهيمنة والاستحواذ جعلت من هذا الوطن يضيق على الجميع حتى على دعاة تلك الثقافة كونها لا تستجيب لتحقيق المواطنة المتساوية للجميع في إطار من الدولة المركزية لأسباب متعددة .. أهمها:
من الضروري ان تكون الدولة المركزية قوية لدرجة الاستبداد, كونها بحاجة لقبضة قوية تفرض من المركز على المحيط أو الأطراف وهو ما يتنافى مع المواطنة المتساوية لجميع أبناء الوطن.
من شروط المواطنة توفر قدر واسع من الديمقراطية الحقيقية, وهو ما يتعارض مع الاستبداد, والدولة المركزية, وبالتالي تميل الدولة المركزية إلى التقليل من مساحة الديمقراطية الممنوحة للمواطنين وفق رؤى من يحكم وأجندته.
في الدولة المركزية يميل الحاكم إلى تعيين الو لاءات بدلا من الكفاءات, ما يسلب المواطن مواطنته المتساوية مع الاخر ويفرض عليه من يديره لا من يخدمه ويحقق مصالحه. ما يجعل الطاعة واجبه عليه كرها لا حبا.

والمجتمع اليمني من المجتمعات اللامتجانسة على الصعيد التنموي, والمستوى الصحي, وبنسب متفاوتة من منطقة إلى اخرى.
اذ يوجد تمايز في مستوى التعليم بين المحافظات حاليا, فكلما زادت نسبة التعليم في المحافظة كلما قلت نسبة الأمية بها. كما يوجد تفاوت بين المحافظات المختلفة في المستوى الثقافي والولوج نحو المدنية والتحضر, فالمجتمع اليمني المعاصر مجتمع غير متجانس في:
التعليم
التحضر والمدنية
احترام القانون
سيادة العرف
تحكم القبيلة في الأفراد (شدة تماسك البناء القبلي).
وكلها عوامل متدخلة ومؤثرة في الاستجابة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الأمر الذي ينعكس في وجود تفاوت ثقافي مدني بين كل منطقة واخرى, ودرجة الاستجابة لعمليات التطور الاجتماعي ما ينعكس على بنية المجتمع والتي تبدو مزدوجة الأنماط والثقافة مابين التقليدية والحديثة ومنها ما هو بين الاثنين أي لا تزال في حالة من التخلق والتبلور ولم تنضج معالمها بعد.
ما يجعل النظام المركزي اشد خطورة على وحدة وسلامة اليمن، فالتفاوت الواضح في كل من مستوى التعليم, والزيادة السكانية المتسارعة في اليمن, وعدم القدرة على إيجاد وتيرة متسارعة في التنمية الاجتماعية الاقتصادية, وتنامي وتيرة وأساليب الفساد, أمام شحه الموارد ستجعل اليمن تعاني من مشكلات مستقبلية اشد تعقيدا, ومنها الشعور بالظلم, وعدم المواطنة المتساوية. ما يمكن ان يؤدي إلى حروب أهلية لا حل لها إلا بالفدرالية, حتى لا تتحمل الدولة المركزية عبء ذلك كله مستقبلا, ويفتت الوطن.
فعدن ـ مثلاـ نجد لديها ارتفاع في درجة المدنية والتحضر, وتأتي بعدها تعز وحضرموت والحديدة .... الخ مقابل مناطق اخرى تنخفض بها وهذا يجعل أي نظام مركزي قائم عائقا أمام تطور المجتمع المعتمد على المنافسة بين الأقاليم, وليس المقدم من الدولة المركزية القائمة حاليا, التي لم تحقق شيئا حتى الآن ما يتطلب منا البحث عن آلية جديدة, نعتقد توفرها في المنافسة.
إن نظام الاقاليم الاتحادية يمكنه ان يوجد التنافس بين الأقاليم وبعضها بالاعتماد على التقسيم إلى أقاليم اتحادية, في ظل الوحدة العامة للوطن اليمني (دولة مدنية اتحادية) نرى انه السبيل الوحيد لرفع درجة التنمية الاجتماعية والنهوض بالمجتمع وفق المعايير التنافسية التالية:
أولها: الأقاليم التي لديها درجة النمو والتطور مرتفع ستسعى إلى تنظيم نفسها أكثر والرفع من شأنها بينما الأقاليم التي تعاني من تدني مستوى النمو لديها ستحاول العمل بوتيرة عالية لتلحق بمن سبقها من الأقاليم.
ثانيا: سنعمل من خلال ذلك على تنمية الشعور بالذات لدى أفراد تلك الأقاليم التي تعاني من تدني درجة النمو والاعتزاز بقدراتها عندما يسهمون في تطوير وتنمية إقليمها, اي ان الشراكة المجتمعية ستكون بدرجة اكبر. ما سيحقق لها فرصاً أكثر ونمواً أسرع.
ثالثا: في حال الدولة المركزية نجد الفشل في عملية التنمية يتحمل مسئوليته الاخر, وهنا تتحول الدولة إلى شماعة تعلق عليها الأخطاء.
 أما الأقاليم الاتحادية فإن الفشل يعود على طبيعة وشكل الشراكة المجتمعية في الإقليم, اي إن الإقليم هو من يتحمل مسئولية الفشل كونه المسئول عن النجاح أيضا, ما سيمكنها من العمل بوتيرة عالية لتحقيق ذاتها ومنافسة الأقاليم الاخرى.

وبالعودة أيضا إلى التاريخ اليمني القديم نجد ان الدولة السبئية والحميرية وما تلاهما باعتبارهما الشكل التنظيمي الإداري والسياسي الأقدم في التاريخ وصل إلينا وتعرفنا إليه بحسب مصادر التاريخ والتي توضح ان اليمن لم تحكم قط عبر الإدارة المركزية سوى في الفترة المعاصرة, والذي يمكن ان نعرفها بفترة الاستبداد (1918-2011) والتي بدأت مع خروج الأتراك من اليمن وتوزيع تركة الرجل المريض (تركيا) ومعها تسلم الإمام يحيى حميد الدين مهام إدارة الدولة في اليمن, لاسيما تلك المناطق التي لم تدخل ضمن إدارة الإمام يحيى بموجب اتفاقية صلح دعان 1911م, بين الإمام والأتراك, والذي جاء في مضمونها اعتراف الدولة التركية للإمام بالسيادة الروحية على المناطق التي تخضع للمذهب الزيدي, أو لنقل ان الأتراك اعترفوا للإمام بموجب اتفاق دعان بالإدارة الذاتية للمناطق المشمولة بالاتفاق. وهذا دليل على ان اليمن لم تحكم مركزيا بشكل قطعي قبل 1918م, وإنما خضعت لما يعرف حاليا بنظام الحكم المحلي, أو الأقاليم الفيدرالية الاتحادية, وعبر تاريخها الطويل لما عرف باسم (المخاليف).
حتى وان كانت في بعض الفترات التاريخية تحكم جزئيا وفق النظام المركزي الا أنها لم تمثل حالة عامة وسائدة بل هي من طبيعة الشد والجذب بين كل من المركز والأطراف الذي ما يلبث وان تتغير وضعيته وآلياته إلى النظام المعروف بالمخاليف, أو ما يمكن ان نقول عليه نظام الأقاليم الاتحادية.. ان الفترات التي كانت الدولة في أوج قوتها كان نظام الأقاليم والاستقلال الذاتي هو النظام السائد باستثناء المئة سنة الأخيرة من التاريخ المعاصر (1918-2011 ) هي الفترة التي تعد أسوأ الفترات التي امتهنت فيها إنسانية الإنسان اليمني وساد فيها ثقافة الاستبداد والتسلط الجغرافي لمنطقة جغرافية من اليمن على بقية الأجزاء الجغرافية الاخرى في نوع من التثبت الديني والادعاء بالحق الإلهي والجغرافي وصل في بعض منه إلى حد الطائفية, والمناطقية الجغرافية للجزء مقابل الكل, الأمر الذي أوجد معه العديد من المناطق الجغرافية امتهاناً في الحق والواجب والثقافة واللهجة والفنون والعادات والتقاليد مقابل السعي لنشر ثقافة ولهجة وفن لمنطقة جغرافية صغيرة باعتبارها كل اليمن ولا تمثل ذلك الجزء الذي هي منه.
لكن سلطة الاستبداد في العصر الحديث جعلت من الإمام يحيى ومن بعده الإمام احمد أكثر من كرس ونشر ثقافة الاستبداد والهيمنة وغرس الحق في الحكم لفئة محددة من الناس دون سواهم حتى صار حقا إلهيا وجغرافيا لمنطقة جغرافية دون سواها من الوطن اليمني. ومعه استبد بالآخرين فأصبح الحق الإلهي حقا جغرافيا استحوذ على السلطة والقوة والمال معا. مقابل اخر بعيد عن السلطة والقوة ويعيش على الكفاف مقابل الجهد.

ويرى الدكتور محمود الشعبي: ان الإمام يحيى كان أول من عمل بناء دولة استبدادية تجمع بين السلطة (الدينية والسياسية) في اليمن بعد خروج الأتراك, بعد ان كان الأئمة قبله يعملون على بسط النفوذ الديني أو المذهبي في اليمن وإخضاع منهم من أتباع المذاهب الاخرى إلى اتباع المذهب الزيدي.
وذلك بوضع القواعد الأساسية لما يمكن ان يوصف بدولة يمنية جديدة يريدها نظام حكم مطلق مركزي باستثناء بعض أحكام القضاء الشرعي وجباية الأموال من الرعية فإن (الإمام الملك) لم يكن مهتما إلى حد كبير بفرض المذهب الزيدي على أصحاب المذاهب الاخرى بالقوة, وبذلك يكون الإمام قد ادخل نوعا جديدا من أساليب الحكم السياسي يختلف كليا عن أساليب الأئمة السابقين له, مؤسسا بذلك لسلطة سياسية دنيوية, بعد ان كانت دينية, وعزز ذلك بمنح ولاية العهد لابنه احمد من بعده مخالفا لشروط الإمامة الزيدية الهادوية في تولي الإمامة. وان كان قد ابقى على الحق الإلهي بتولي الحكم.
والتي بدأها بالخروج عن صلح دعان الذي يمنح الإمام يحيى السلطة الروحية على المناطق التي تدين بالمذهب الزيدي دون السلطة السياسية والإدارية. الا ان خروج الأتراك من اليمن عقب الحرب العالمية الأولى وتقسيم تركة الرجل المريض أو الفراغ السياسي والإداري في اليمن ما منح الإمام يحيى فرصة لتوسيع نفوذه إلى بقية مناطق اليمن ليس بهدف بسط النفوذ المذهبي وإنما السياسي والإداري ليؤسس لدولة دينة دنيوية (الإمام الملك).
ومع تولي مقاليد الأمور من قبل الإمام يحيى (1918) وجدت دولة الاستبداد المركزية في اليمن ولأول مرة في التاريخ ( يمكننا القول ذلك مجازا) والتي بثت معها ثقافة حامية وحافظة لها لا نزال نعاني منها في الجزء الشمالي من الجمهورية اليمنية, عكس ما كان يعرف بالمحافظات الجنوبية والتي ظلت تحت حكومات محلية عرفت بالسلطنات والمشيخات لتتوحد في دولة مركزية بعد الاستقلال عن الاستعمار الانجليزي 30 نوفمبر 1967م.
وختاما:


علينا ان نعرف أولا ان النظام الفدرالي بدولة اتحادية من الأنظمة التي تعمل بها ما يزيد عن 120 دولة في العالم كونه أنسب الأنظمة التي تحقق المواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن الواحد, مع ملاحظة عدم وجود دولتين تتطابقان في الأخذ بتفاصيله.
ونحن نجد من الضروري ان يشمل تحديد الإقليم معايير عامة بحيث يوضع الاعتبارات التالية:
البعد التاريخي الخاص والعام بكل إقليم من الأقاليم, بمعنى تحول الإقليم في فترة تاريخية إلى مركز وبقية المناطق اليمنية إلى أقاليم في نطاق المركز والعكس.
الاستفادة من الحدود التاريخية لكل اقليم من الأقاليم, وأهمية ذلك لعوامل الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. العمل بوحدة الثقافة والفولكلور المتجانس لكل إقليم. . العمل على توفر الشروط الاقتصادية لكل إقليم بما يوفر إمكانيات العيش والنشاط الاقتصادي للأفراد, وبما يوجد تكافلاً بين مختلف الأقاليم, بحيث يوفر المصالح المشتركة للجميع.
ان يوضع في الاعتبار السمات الجيولوجية والطبيعية بحيث يوجد تجانس وتنوع في ذات الوقت لكل إقليم على حدة وبينه وبين الأقاليم الاخرى.
وضع في الاعتبار عدم نزوع أي إقليم نحو الانفصال وتكوين دولة مستقلة عن الدولة الاتحادية, لذلك من الضروري وضع معايير لا تسهل عمليات الانفصال, ولا تنمي الوازع نحو ذلك.. لذلك فإن تحديد عدد الأقاليم يجب ان تحدد أثناء العمليات الميدانية وفقا لتلك المعايير المحددة آنفا, فالمعايير هي التي ستحدد العدد الكلي للأقاليم, والذي نجد من الضروري ان تقوم بها لجان خبرات تتشكل وفقا لخلفية علمية (كعلماء الاقتصاد والاجتماع والثقافة الشعبية والفولكلور والجغرافيا والتاريخ والادب والحكم المحلي والسياسة والجيولوجيا ...الخ.. والله ولي الهداية والتوفيق.

الشكر والتقدير لكل الزملاء المساهمين في نقاش الرؤية الكاملة من هذا لمشروع.

* أستاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء
muamer171@hotmail.com