رسالة من بيروت لشباب الساحات
في اليمن
في زيارتي الأخيرة لبيروت العربية التقيت الأستاذة الدكتورة مارلين نصر المفكرة والباحثة والمثقفة السياسية اللبنانية مؤلفة كتاب (صورة العرب والإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية) وغيرها من الكتابات والأبحاث الاخرى التي تجعلها من القلة المتميزة من مفكري الوطن العربي. وفجأة تنهال علينا بالأسئلة والتعليقات عن اليمن وثورة الشباب الشعبية السلمية, كما هي عادة الباحث السياسي الذي يري الواقع بعين تحليلية فاحصة فإنها رأت في الثورة الحالية في اليمن أعظم ثورة في الربيع العربي لما يكتنفها من تعقيدات وتدخلات متناقضة بل ومن تآمر عليها, حمل مضمون حديثها الخوف والقلق مع العظمة والإعجاب بشباب الساحات والشعب اليمني ودورهم البطولي الرائع وكان ضمن ما قالته:
... انتو الشعب اللي عنده سلاح في البيوت يخرج بثورة سلمية .. ادهشتوا العالم أجمع .. أد أيش انتو شعب عظيم.
... كنا عمنرقب الأخبار وإحنا خائفين عليكم .. خايفين عشباب اليمن أد أيش أنتم عظماء....
... الشعب اليمني عظيم بإرادته وعزيمته وصموده
... لكن النساء كانوا أكثر .. النساء كانوا أعظم بكتير في اليمن
... كنا خائفين عليكم .. عمنسمع الأخبار وأيدينا على ألوبنا (قلوبنا)
... عرفنا حجم التأمر عليكم من العالم كله .. من الجزيرة كلها
... يا الله العالم كله كان ضدكم يتآمر عليكم
... عرفنا أد أيش اليمن مهمة لكل الدنيا
... نخاف عليكم الآن من التأمرات .. حجم التأمرات كبيرة عاليمن .
... انتبهوا ... نبهوا الشباب بكدة
**
مارلين وجهت رسالتها تلك للشباب ( الدور عليكم يا شباب حنا كبرنا). من بيروت الثقافة العربية.. بيروت القومية العربية .. والمشروع النهضوي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, هي رسالة المثقف البيروتي واللبناني بمختلف طوائفهم هي رسالة من الفكر القومي والتقدمي العربي والمقاومة للشباب المعاصر.
وبينما كانت تحدثني انهمرت دموعها اللؤلولية بغزارة لتعانق القطرات المتساقطة من سماء بيروت لتغسل شوارعها النظيفة (أصلا) بينما كانت تلك الدموع تغسل روحي التي تحلق في سماء مكتبها الصغير في الدور الرابع في مركز دراسات الوحدة العربية وفي سماء بيروت الصمود الأسطوري.
مارلين نصر ... لم تكن دموعها تلك دموع حزن .. ولا دموع فرح, لكنها كانت دموع العاشق المحب للحرية في المكان البعيد المتأبط لها حبا وخيرا وسلاما , المخلص في مشاعره وصدق عواطفه, النبيل في فكره وتفكيره.
كانت تلك روح وفكر المثقف العربي .. والسياسي البيروتي, والمناضل العربي دعاة وعشاق الوحدة والحرية العربية , مفكري ومناضلي ثورة الشعوب العربية وتحررها منذ أربعينيات القرن الماضي والربيع العربي الحالي, تلك هي رسالة بيروت رسالة العرب رجال الفكر العربي لشباب الساحات في اليمن, ساحات الحرية والتغيير في اليمن, تدل على عظمة الحدث وإعجاب العالم به الممتزج بالخوف من حجم التآمرات (كبيرة) على الوطن اليمني الحالم بحرية وغد أفضل. فهل انتم واعون لتلك المخاطر التي قد تحدق بثورتكم وبلدكم.. بل بربيع العمر لديكم أيها الشباب؟؟.
مارلين قد تكون لبنانية الوطن لكنها عروبية الأصل والانتماء, وقد تكون مسيحية الديانة أو مسلمة أو لكنها عروبية الأصل والانتماء عاشقة لحرية الشعوب تواقة إلى إنعتاق الوطن اليمني من الليل إلى نور الفجر.
مارلين أو الدكتورة مارلين هي مديرة الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية, وأن جميع الدراسات والأبحاث المنشورة عن المركز مرت من تحت يدها, وان كل الدراسات والأبحاث التي يريد أصحابها نشرها بالمركز لابد وان تمر عليها, وان كل ما يرشح للنشر يكون لها رأي فيه, ما يعني أن لها من النضج وحجم الفكر والتفكير ما ليس لغيرها وأن حديثها لشباب الساحات في اليمن انطلق من شيئين : أولهما الإدراك الكامل بكل ما تفوهت به والمعرفة الفكرية الكاملة والواعية به. وثانيا: إن إعجابا وحبا بشباب الساحات في اليمن شكل آنموذجا خاصا في ثورات الربيع العربي يختلف في الكثير من ملامحه عن ثورة تونس ومصر وليبيا, وهو آنموذجا تفرد به شباب اليمن بقدر تفرد موقعها الجغرافي, وثالثا وجود نوعا من الانتماء للجذور يشد إلى الأصل الأول ... لاسيما اذا عرفنا أن العديد من الأسر اللبنانية المختلفة سواء كانت (مسيحية أو درزية, أو مسلمة) تتجذر بالانتماء إلى أصول يمنية, وهذا ما لوحظ من مقدار الحب والعاطفة لتلك المفكرة اللبنانية التي أمطرت خدها بلؤلو من بلور غسلت بها معاناة شبابنا في الساحات في اليمن على مدى عام كامل.
عندما تساقطت دموع مارلين جعلت مني ومن مرافقي الدكتور عبد الملك عيسي كوما من المشاعر التي شدتنا إليها لنجد من أنفسنا أناس أخرون ينظر إلينا من قبل الغير نستحق أن نرفع رؤوسنا عاليا , نعتز بانتمائنا لمكون جغرافي وديمجرافي اسمه اليمن. وان هذا الإعجاب منها بثورتنا السلمية إنما هو إعجاب بنموذج فريد من الثورات استطاع الشباب أن يقدمها بصورة مذهلة للجميع.
باسمكم انحنيت أمامها احتراما وتقديرا لمشاعرها الجياشة والصادقة تجاه اليمن وشبابها وثورتهم, شكرتها وقبلت يدها ووعدتها بأن تصل رسالتها إلى الشباب.
وأحسست أن الأمانة لا تزال ثقيلة وان المستقبل لا يزال بحاجة إلى الجهد من الجميع.
بينما واصلت هي مشوارها في السفر إلى تونس للحديث مع شباب اخرين في مؤتمر حول : الثورة الديمقراطية في الوطن العربي ـ نحو خطة طريق .. والمقصود هنا تلمس طريق للثورة التونسية, عدت أنا لأضع الأمانة أمامكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق