الا يكفي هذا الانحدار لإنقاذ جامعة صنعاء؟!!!

السبت، 17 مارس 2012

من الضروري الاعتراف بأن لنا قضايا وطنية!!


من الضروري الاعتراف بأن لنا قضايا وطنية   !!

د/ عبد الله مُعـمــر

هل يمكننا بناء دولة حقيقية؟ قد تكون الإجابة (نعم) وقد تكون الإجابة (لا) ... وأياً كانت الإجابة فإننا نقف حاليا بمفترق طرق ربما تكون أشد صعوبة من الفترة التي عاشتها اليمن بعد ثورة 1962 والصراع الملكي الجمهوري، تلك الفترة التي جعلت من دول المنطقة والعالم تصفي حساباتها على الأرض اليمنية، الأمر الذي جعلنا لا نتمكن من بناء دولة حقيقية وذات سيادة.
وها نحن نعيد الكرة من جديد الآن.. يثور الشعب على حاكم مستبد بحثا عن دولة مواطنة؛ فهل نحن قادرون على بناء دولة -حسب طموحات اليمنيين- وتحقيق أهداف الثورة الشبابية؟ يبدو أن النية متوفرة حاليا لدى الجميع كفكرة في الذهن علينا تحويلها إلى موضوع أو تطبيق. أعتقد أن هناك مخاطر عدة، ونحن بحاجة إلى مكاشفة مع الذات أولا.
فالعديد من دول الجوار ترى في اليمن خطرا عليها منذ أمد بعيد، وفي بناء دولة حديثة أكثر خطورة، وهي تسعى بهذا إلى أن تلعب دورا في كل الأحداث اليمنية حتى في وقت السلم.. ولا يكاد مالها يجف من أيدي البعض مطلقا، ليعود من جديد! مثل هذه الدول هل يمكن لها أن تسمح ببناء دولة مؤسسات يمنية ناجحة؟!
ونجد في القبيلة وضعا يقف ضد بناء الدولة ومنذ أمد بعيد... فالقبيلة كانت ترى في بناء الدولة أمراً ليس في صالحها. ولا يحقق ويرعى مصالحها.
وفي سبيل بناء دولة حقيقية فإن عليها التخلي عن تلك المصالح، بما في ذلك التخلي عن الارتباطات الخارجية والارتهان مع الخارج أيا كان، والالتفات نحو المصالح المشتركة لجميع اليمنيين.
ذاك متروك للمرحلة القادمة لتبين مصداقية القول والسلوك. وإن كنت أرى في أحاديث الشيخ صادق الأحمر المتكررة عبر وسائل الإعلام أثناء ثورة الشباب الشعبية، حول الدولة المدنية المستقبلية، حافزاً إيجابيا ويبشّر برغبة صادقة في بناء دولة تقوم على أسس مدنية من أهمها الممارسة الديمقراطية الكاملة، والفصل بين السلطات وسيادة القانون، والمشاركة في السلطة والثروة. ما يعني أن امتيازات أي قبيلة، والتي تميزها عن بقية القبائل الأخرى أو تمنح أفرادها مكانة أرفع في ممارسة السلطة وامتلاك الثروة دون بقية القبائل أو الأفراد من خارج القبيلة، ستتخلى عنها في الدولة المدنية، من أجل الكل -أي كل اليمن- وهنا يظهر الفعل الإيجابي من أجل تأسيس الدولة المستقبلية التي تذوب فيها المصالح الذاتية في سبيل المصلحة الجماعية. كما وجدت في حديث اللواء عبد الله القشيبي في قناة سهيل، حول هيكلة الجيش والأمن أثناء الثورة الشبابية الشعبية، والذي كان حديثا مبشراً في أن هيكلة القوات المسلحة والأمن ستقوم على أسس الدولة المدنية والتي ستتحول معها إلى مؤسسة وطنية مهمتها الدفاع عن الوطن والشعب، بعيدا عن التدخل بالسياسة.... فهل سيسير الأمر على هذا النحو...؟ ذاك متروك للأيام القادمة فهي الكفيلة بصدق النوايا من عدمها!!
فالكثير من الامتيازات الخاصة (مثلا) للمؤسسة العسكرية ستلغى في الدولة المدنية ... فهل سيسير الأمر بهذا الاتجاه ...؟ إنه متروك للزمن!!
ولا ننسي أن ثقافة الاستبداد وبناء الدولة نقيضان؛ فتفكيك ثقافة الاستبداد ونشر ثقافة التسامح والتصالح والمواطنة المتساوية هو الشعور الذي يجعل من جزء من مواطني الوطن يتعامل مع الجزء الآخر بمنطق الفـيد والأنانية والسخرة المتربصة بالغير.. وفي منطق المثل الشعبي (جمل يعصر وجمل يأكل عصار). وهنا نجد من الضروري أن نعلم أن بناء الدولة يتطلب التخلي عن هذه الثقافة لصالح بناء الدولة للجميع، بعيدا عن ’’حاكم ومحكوم’’ أو اعتماد المنطق الجغرافي في ذلك الاستحواذ على السلطة والثروة، وإدارة شؤون البلاد بفرض الأمر الواقع، أو الغالب والمغلوب، السجين والسجان! إن من أسس الدولة المدنية التخلي عن مثل هذه الثقافة قولا وفعلا، بحيث لا يبقي من يشعر بالغبن في إطار الوطن الواحد. لكن جدلية المحيط والمركز تلعب أحيانا دورا في عملية تأخر بناء الدولة الحديثة في بعض المجتمعات.. فللمكون الجغرافي في جدلية المحيط والمركز دور في فرض عملية الاستبداد والسيطرة؛ فكلما كان المركز شديداً في مركزيته يفرز مفاهيم للاستبداد ويزيدها عتوا ونفورا في فرض الوصايا على المحيط. لكن ثقافة الاستبداد تتفكك عندما نقر بأن للآخر حقاً مثل مالنا من حق.. عندما نشعر أن الفئات الهامشية أو الأقليات المهمشة داخل المجتمع لها من الأهمية في بناء الوطن مثل ما لغيرها من أبناء الوطن الواحد.
إن الدولة المدنية تضمن حقوق الأقليات وتضمن لها مواطنة متساوية مع الأغلبية، حق الانتماء إلى الوطن اليمني، فهذا هو المعيار في الحقوق والواجبات وأساس في المواطنة، وليس الغلبة العددية أو الجغرافية المناطقية أو القبلية أو القرب والبعد من السلطة وجماعة النفوذ؛ ففي الدولة المدنية تنتهي كل الامتيازات الفئوية أو الجغرافية أو غيرها.
إن أردنا حقا بناء دولة مدنية فعلينا التعامل مع كل القضايا الوطنية التي تهدد الوطن والسلم الاجتماعي؛ فالاعتراف بوجود قضية جنوبية وقضية في صعدة أمر غير كافٍ لمعالجة الوضع الداخلي، بل سيكون بمثابة ترميم للتصدع في نسيجنا الاجتماعي فقط. إن أردنا فعلا تحقيق المواطنة المتساوية علينا الاعتراف أولا بوجود قضية وطن بأكمله؛ فقضية صعدة والجنوب (مع اعترافنا بخصوصيتها) تساوي قضية تعز المنسية والمتجاهلة منذ 1918م، وتهامة والصحراء (مأرب والجوف، والمهرة، وشبوة، وحضرموت.. الخ) إنها قضية مواطنة متساوية، قضية أو قضايا حقوق وواجبات، قضية انتماء ليمن واحد يتساوى فيه كل أبناء الوطن الواحد.
إن عدم فتح هذه الملفات في مؤتمر الحوار الوطني يعني تجاهلاً صارخاً وفاضحاً لمطالب المجتمع بمواطنة متساوية تجاهلها السابقون على مدى قرن من الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق