الا يكفي هذا الانحدار لإنقاذ جامعة صنعاء؟!!!

الجمعة، 4 يونيو 2010


   فـي:
تقـــــدير الإبــــداع

من يكن مكرما فـي بلد ما فسيكون إنتاجه لهذا البلد
                              أفلاطون


مدخل :
كنا فـي ندوة من الندوات قد قمنا بحملة تبرعات لدعم الندوة، ووجهنا مجموعة من الرسائل لبعض الأفراد والمؤسسات الخاصة لهذا الغرض. وكان من ضمن الميزانية التقديرية المعدة بند مكافأة تشجيعية للباحثين والكتاب.
ومن ضمن التعليقات التي وصلت ألينا فـي اللجنة التحضيرية. وهل الباحثين بحاجة لمكافأة حتى يكتبوا، وفى وقت لاحق تمعنت فـي العبارة ومضمونها وهو الأمر الذي دفعني إلي التفكير فى مسألة تقدير الإبداع والمبدعين.
وهنا أتساءل، وهل الكاتب آو المبدع آو الباحث يستطيع ان يبدع وهو جائع أو نائم فـي العراء، و أطفاله يتضورون جوعا.. أو ....أو....
وان كان الباحث أو الكاتب لا يحتاج الى المال مقابل ما يكتب ولكنه بحاجة الى المال كي يكتب، وهو لا يستطيع أن يكتب إلا إذا كان قادرا على امتلاك قيمة الكتاب والقلم والحبر والورق .... الخ. فالتاجر يضع نقوده فـي البنك بهدف الحصول على الربح، بل ان تاجر الورق والحبر والقلم هو من يبيع على الكاتب، وبربح أيضا.
فلماذا يستخسرون على أي كاتب بضع ملاليم هو أحوج ما يكون لها من اجل القدرة على الإبداع والكتابة والإنتاج بذهن أكثر صفاء ونقاوة. خاصة وانه لا يقوم بذلك من اجل قيمة ذاتية أو مصلحة شخصية، ولكنه يقوم بها من اجل الجميع، بل من اجل مجتمع بأسره، صغيره وكبيره، قارئ وأمي، متخصص وغير متخصص، انه يبدع من اجل بدوي فـي الصحراء، وراعي غنم فـي البراري، وآخر يعيش فـي قصور ولمن يلتحف التراب. واقل ما يمكن ان يقدمه كل هؤلاء نوعا من المكانة المتميزة داخل المجتمع. بل ان من حقه على الجميع ذلك. خاصة وان مهنة العمل الفكري والذهني من أصعب المهن على الإطلاق، والمشتغل فـي هذا الجانب يفقد أشياء كثيرة، صحية وروحية وجسدية، ويكفـينا الإشارة الى ان لحظات المخاض الفكري تستمر أحيانا شهور وسنوات، وهي لحظات أصعب بعشرات المرات من المخاض الحقيقي عند المرأة، فليس من السهولة أن يظل الذهن متوهجا لفترات طويلة للبحث عن اكتمال فكرة ما، أو أفكار تبدع لنا منتجا ماديا يستفـيد منه الجميع، وهذه الذهنية المتوهجة هي التي دفعت نيوتن الى القول" إنني لا اترك المسألة تغيب عن عقلي أبدا" عندما سئل كيف توصل الى إستبصاراته الصائبة (1/ص10). والتي بفضلها تتقدم الأمم وتتطور الشعوب. وبإهمالهم وتجاهلهم تقمع منتجاتهم الفكرية، وتندثر قبل ان ترى النور، وبذلك تضمر الشعوب وتنتهي كشعوب تحمل مضامين تمكنها من العيش بحيوية وتنتفـي عنها صفة الجمود.

تعريف الإبداع:
ولكن من الضروري أولا تعريف مفهوم الإبداع، والذي يعني حصرا النشاط أو العملية التي تقود الى إنتاج يتصف بالجدة والأصالة والقيمة من اجل الفرد أو المجتمع. أما الإبداع بمعناه العام هو إيجاد حلول جديدة للأفكار والمشكلات والمناهج.. الخ، إذا ما تم التوصل إليها بطريقة مستقلة حتى لو كانت غير جديدة على العلم والمجتمع (2/ص19). لكن البعض الأخر يعتبره النشاط الذي يقود الى نتاج جديد وقيم من اجل المجتمع (2/ص21).
إلا أننا لن نتعامل مع الإبداع على هذا النحو كونه يمثل معنى أكثر اتساعا وشمولا لدينا، باعتباره كل شكل من أشكال الإنتاج الذاتي المعتمد على الذهن، فكل ما يقوم على هذه الأسس هو إبداع فـي نظرنا. وعلى هذا النحو فان كل نوع من أنواع الفنون العلمية والأدبية والفنية والمهنية المتميزة تعد إبداعا.

خلفـية تاريخية:
ولنعود الى الخلف قليلا نستنبط من التاريخ العربي دروسا كلما أمكننا ذلك لنرى كيف كان يعيش المبدع فـي ظل الدولة والمجتمع العربي. والذي أدى بدوره الى المزيد من الإبداع، فكلما كان التقدير للإبداع والمبدعين اكبر كلما كان الازدهار العلمي والإنتاج أكثر أهمية وأعمق.
ففـي الفترة الواقعة بين نهاية القرن الأول الهجري، وحتى نهاية القرن الخامس ازدهر العلم والإبداع فـي مختلف المجالات بفضل تشجيع الدولة وبعض الأمراء، وان كانت لا تعد مرحلة وردية لجميع العلماء والمبدعين . فقد عاني الكثير منهم من القمع والاضطهاد بل والقتل والتشرد بفعل تدخل السلطة القمعي خصوصا فـي المجال الديني المرتبط بشئون الحكم والسياسة، بل ان كل ما يمس شئون الحكم والسياسة كان يقابل بالقمع والإرهاب وهو ما نتج عنه تخلف البنية السياسية حتى الآن فـي العالم الإسلامي.
ويعد ابرز مثال فـي هذا الجانب ما تعرض له الأئمة الأربعة التي تطرقت فتاويهم لقضية صفات الحاكم، وكذا فتاوى بعضهم المرتبطة بمقاومة الحكام الخارجين عن هذه الصفات.
وقتل بعض الأئمة وقمع آخرون لا يعني أن الاجتهاد فـي الرأي أو الإبداع كان محرما بل كان يلقى الدعم والتقدير، لكن تجاوز الحد المسموح به من قبل البعض فـي التدخل فـي قضايا ذات علاقة بشئون الحكم والسياسة، أو بالتعرض لقضايا هامة يمكن ان تعمل ثورة فـي العقل العربي والإسلامي وتخلق فكرا لبراليا يتجاوز الواقع الاجتماعي والفكري ويهدد مصلحة الحاكم كان يعد سببا لقمع البعض. لكن بالمقابل لا يمنعنا مثل هذا القمع من الاعتراف من ان ملامح التقدير والرعاية والاهتمام بالعلوم والفنون والآداب ورعايتها من قبل الخلفاء والأمراء والحكام كتوجه عام من الدولة، والتي كانت سائدة فـي تلك الفترة تعد سببا فـي إبداع البعض منهم. وسببا فـي ازدهار كثير من العلوم والفنون. والتي لم تكن تنمو إلا فـي بلاط الخلفاء والأمراء، فلم يكن الشاعر أو الفنان ينتج شيئا لذاته إلا نادرا، لذلك كان الجميع يقصد الحاكم والأمراء يعرض عليهم سلعته ليحصل على الدعم والتشجيع.
**
يرجع المؤرخين تطور الحركة العلمية الى عصر الخليفة خالد بن يزيد بن معاوية الذي بدأت معه حركة الترجمة من اللغات الأجنبية الى العربية. لتت ولاء بعد ذلك حركة الترجمة الى العربية بإشراف العديد من الأمراء والحكام مباشرة. والنماذج لدينا عديدة، فالخليفة عمر بن عبد العزيز أمر بترجمة كتب الطب ونقلها الى العربية، لكن حركة الترجمة هذه كانت محاولة فردية من قبل بعض الخلفاء والأمراء الأمويين، وهي نتاج عن حب البعض منهم للعلم والبعض الآخر بقصد الاستفادة من كتاب ما أو علم بذاته، ومع أنها فردية إلا أنها شكلت اللبنة الأولى فـي اليقظة العلمية والفكرية العربية الإسلامية، وبهذا الخصوص اتسمت الفترة الأموية، برعاية الخلفاء والأمراء للعلم واهتمامهم به وان كان المنطلق فردي فـي بداية الأمر من قبل المهتمين ببعض فروع العلم، إلا إن الفائدة بعد ذلك صارت عامة وكونت أساسا متينا لحركة الإبداع الإسلامي، وثانيا حظي البعض من العلماء والمبدعين بنوع من الرعاية والاهتمام فكان لذلك اثر فـي خلق مزيدا من الإبداع لديهم، وتفجيرا لطاقاتهم بشكل اكبر و أوسع.
لكن الدولة العباسية والدويلات التي انشقت عنها كانت أكثر تقديرا واهتماما بالعلم والإبداع والمبدعين. فقد التفت العباسيين الى العلوم الإنسانية وبدأت حركة الترجمة تشمل المنطق والفلسفة والهندسة وهو الأمر الذي نجم عنه قدرة ذهنية متوقدة فى التأمل ومحاورة العقل مع معطيات الواقع، وبناء أسئلة جديدة ومحاولة الإجابة عليها بالبحث العلمي.
كما تحولت حركة الترجمة فـي هذا العصر من حركة فردية الى حركة منظمة وعمل امة لا تموت بموت الخليفة، ولكنها تزدهر كلما ازداد تشجيع الدولة والحاكم للقائمين عليها. كما أنها اتخذت طابعا أكثر تنظيما، فكان يقوم بها جماعة من المترجمين ويشرف على كل جماعة رئيس يراجع أعمالهم ويصحح أخطاءهم، ومساعدون ونساخ ومجلدون. ويقف وراء حركتهم الخلفاء والأمراء وأهل اليسر من العامة ومحبي العلم، ويتعهدون أهلها بالرعاية والتقدير. ففـي القاهرة "مثلا" انشأ دار الحكمة من قبل الحاكم بأمر الله. وكان يظم قاعات للترجمة والنسخ والتأليف والمناظرة. و أوقفت عليها أوقاف ضخمة لمواجهة نفقاتها ضمانا للاستمرارية.
كما كان لسخاء الخلفاء وأهل اليسر من محبي العلم فـي معاملة المترجمين اثر كبير فـي ازدهار حركة الترجمة الى حد ان حنين بن إسحاق كان يتقاضي وزن ترجماته ذهبا (3/ ص77).
ومما ساعد أيضا على انتعاش الترجمة عند المسلمين حرية الفكر ورخاء الدولة وحرص الخلفاء وأهل اليسر على تقدير المشتغلين بالعلم والترجمة وحسن معاملتهم وإجزال العطاء لهم. والذي لم يقتصر على جماعة معينة او فئة، بل كان يشمل الجميع بغض النظر عن الدين والجنس..الخ. (3/ص89). فمبدأ احترام العلم والإبداع أزاح حجاب اللون والدين والنسب الى حد ما، بل كان العلم مقياسا للمكانة.
كما وجدت بعض الحالات الفردية فـي العصر العباسي من قبل الخلفاء، ممن شجع على العلم والإبداع بطرق مباشرة وغير مباشرة، فالخليفة المنصور أمر عالم الفلك محمد إبراهيم القزازى بترجمة كتاب "كار داجا" الذي يحمل اسم الملك (فـيجار) الى العربية بعد ان سمع عنه، وأن يولف كتاب أخر عن حركات الكواكب (4/ص68). وكذا شيد المأمون مراصد عدة تشجيعا لعلماء الفلك كان منها المرصد العظيم فـي بغداد، كما كان يجمع علمائه إذا أراد ان يتأكد من صواب فكرة ما ويطلب إليهم ان يتعاونوا فـي حلها، أو اختراع آلة جديدة أو تهذيب الآلات القديمة. وبني شرف الدولة البويهي مرصدا فـي حديقة منزله و أولى أمره (لـ أبا سهيل الكوهي) وطلب منه ان يجمع كل المعنيين بالفلك وأرصاده ليتعاونوا فـي بحوثهم (3/ص41).
ومن النزعات الفردية الهامة أيضا فـي العصر العباسي، والتي أثرت وبشكل مباشر على تشجيع الإبداع وخلق حركة علمية تفاخر الخلفاء والأمراء وحكام الأقاليم بتزيين مجالسهم بالعلماء والأدباء ورجال العلم والفن، وطلبهم منهم تأليف كتب بأسمائهم، كجبريل بن بخشوع، وابن الهيثم، وعلى بن رضوان وابن البيطار، وغيرهم ممن ألفوا كتب بأسماء الأمراء والخلفاء (5/ ص191). أو ذكر ما قدموه من دعم فى انجاز المؤلف.
كما قام سيف الدولة برعاية العديد من المبدعين فـي بلاطه كالمتنبي والفارابي وابن خالويه، وأربعة وعشرون طبيبا وغيرهم. وهو الأمر الذي أدى الى خلق روح المنافسة والإبداع لدى الجميع، إما بهدف التقرب، وأما بهدف البروز، وأيا كان الأمر فانه يمثل نوعا من التقدير لهؤلاء المبدعين. بل وتقدير للإبداع ذاته. فالمتنبي "مثلا" أجزل العطاء من قبل سيف الدولة نظير مدحه له، لكن هذا العطاء فجر طاقات المتنبي فأبدع فنال الجزاء. وان كان البعض يشير الى ان الإبداع الشعري عموما كان نتاج لعطاء الأمراء والحكام بهدف الحصول على عطيتهم إلا ان ذلك العطاء عمل على خلق إبداع متكامل، ثم ان الإنتاج الإبداعي (شعرا ونثرا) لم يكن كله مدح ومديح، كما انه لم يكن الإبداع كله، بل تنوع بتنوع فنون الفكر والعلم ان ذاك. كما ان الشعر والنثر أديا الى ابتداع فنون جديدة كالبلاغة والنحو والصرف.
ولم يكن مجلس سيف الدولة لوحده الذي يضم مجموعة من رجال الفكر والعلم. فالأمراء الأتراك والذين كانوا لا يجيدون اللغة العربية يحبون ان تزين قصورهم بالعلماء والأدباء (5/ص95). ويشير أبو حيان التوحيدي فـي كتابه (المقابسات) على ان جلسات الأمراء كان يدور فـيها نشاط ذهني فلسفـي عجيب وحرية فـي الفكر عظيمة، وثورة من النشاط العقلي (5/ص230).كما شجع الفاطميين فـي مصر علم الفلسفة واستفادوا منها فى محاجة المعارضين لهم من الشيعة ، بل ان الأمير مبشر بن فاتك كـان مولع فـي الفلسفة.
وفى هذه الفترة (القرن الرابع) التي كانت الإمارات تتباهى فـي تجميل موطنها بالعلماء والأدباء، وتتفاخر بهم وتعمل على التحبب الى العلماء والإغداق عليهم بهدف الامتناع والاستمتاع الذاتي لكنهم فـي الوقت الذي عمل ذلك على خلق الحركة الفنية والإبداعية، وسبب أخر هو ان انفصال هذه الإمارات عن الدولة العباسية جعلها مستقلة فـي مالها لا ترسله الى بغداد، بل تغدقه على أهلها، والعلم دائما متأثر فـي المال، مما جعل الكثير من العلماء ينعمون فى ظل هذا الاستقلال أكثر (6/ص2) بإعفائهم من مشاقة الرحيل الى بغداد.

إبداع لا يقدر:
لست ممن يفظلون النقد المؤدي الى الهدم، ونكران ما انتجه الأخرون من أراء وافكار. لذلك أعتقد أن ما توصل اليه الدكتور حسن يضيف لبنة جديدة الى ما هو موجود في هذا الجانب مهما كانت درجة اتفاقي واختلافي معه في كثير مما أورده في ورقته.
لذا سأتجه الي طرح أو اضافة ما أراه ضروريا في تكريس الهوية الثقافية والعمل على تجسيدها والحفاظ عليها. والتي تبدا اولا من غرس فكرة الانتماء للوطن اولا. فالشعور بالانتماء يرفع من عملية الاحساس والارتباط الموجداني بين كل من الفرد والمكان الجغرافي لتكون الذات الواحدة، وهوما يعزز من فكرة الهوية. كون الاحساس بالانتماء المصدر المجسد للهوية الوطنية أو الثقافية، والتي تبدأ من خلال ابراز التراث والتاريخ اليمني ، كونه المجسد للهوية والرافد الاساس لعمليتي الهوية والانتماء، بالاضافة الى أنه أكثر أهمية في توحيد الاجيال، وتقوية الاحساس بالانتماء. ومعها تزول تلك الصيغ المتناقضة التي تتشكل منها هويتنا الحالية.
وباستعراضنا لقائمة أسماء من حكموا اليمن على مدى عدة مئات من السنين يبرز لنا فكرة تكريس الولاء الاسري أو القبلي حتى لدى الحكام، وربما يكون (على عبدالله صالح) الحاكم الوحيد الذي يعير البعد الوطني لهوية الانتماء دون غيره ممن حكموا اليمن فعدم استخدامه لقب قبلي أو أسري في الاسم يدل دلالة واضحة على أن فكرة الانتماء والهوية لديه تجسيدا لوطن بأسرة وليس لجزء منه.
ان ما يصيغ ثقافتنا الوطنية مجموعة من المتناقضات المتداخلة الغير متجانسه أو منسجمة مع بعضها البعض (قيم دينية، ولاء للجماعة أو القبيلة، مؤثرات خارجية تعمل على اضعاف المكون الداخلي لأى ثقافة خاصة بالمجتمع أو الأمة تسعى من خلاله لبلورة نقيض من الثقافات لا تؤدي إلى إيجاد تراكم ثقافي يجسد للهوية الوطنية.
ان ما يلمس يجسد فكرة الانتماء الأسري أو القبلي. ولعل الشاهد الأكثر وضوحا في هذا ما يلاحظ في ضرورة استخدام الألقاب في الأسماء والتي تدلنا بوضوح على أن الهوية القبلية والأسرية أكثر قوة وسيطرة علينا من الهوية الوطنية، الأمر الذي يجعلنا نتعامل مع الذات الفردية على أنها أساس ، أو أصل بينما الذات الجمعية أقل أهمية أو فرع لها مما يؤدي الى ايجاد خلل في معطيات الهوية الثقافية ويبرز ذلك واضحا في المخرجات الحالية للهوية الثقافية اليمنية.
ان المنهج التعليمي للمراحل الاولي يكاد يكون خاليا من المعطيات الاولية التي تكرس فكرتي الانتماء والولاء، وبالتالي تخلق مكونا ثقافيا يجسد الهوية الوطنية والثقافية الوحدة للمجتمع.
الامر الذي يجعلنا نشدد على أن أول وأهم عوامل التماسك الوطني يكمن : في تنمية ثقافة وطنية قومية، تنمي في الشباب روح الانتماء للوطن وأهمية الدفاع عنه. وتعريفه بتراثنا الثقافي، وبرموزنا الوطنية والعربية.

ان تجسيد هوية خاصة بالذات اليمنية الجماعية يتطلب منا الأتي:
اعادة القراءة الفاحصة للتراث والتاريخ اليمني القديم واستخلاص مايعمل على تجسيد الهوية الثقافية.
اعادة فحص اسهامات اليمنيين في نشر الحضارة الانسانية والنظر اليه من خلال تجسيد الهوية الثقافية اليمنية المعاصرة.
استخلاص مكونات الهوية الوطنية من خلال قيم المجتمع وعاداته وكذا مضمون الثقافة الشعبية.
العمل على اذابة الولاء الجزئي للجماعة أو القبيلة أو المنطقة وتجسيد فكرة الولاء للوطن بكل مضامينه.
ان احزابنا السياسية تفتقد أصلا للهوية الوطنية الثقافية، التى تعتمد عليها في عملها، مما جعلها تببعد عن ملامسة قضايا اجتماعية وذات صلة بتكريس الهوية الوطنية والثقافية، كاهتمام بالمؤسسات الثقافية وتعليم الكبار واحياء التراث الثقافي ..... الخ.
ان افتقاد الاحزاب السياسية للهوية الوطنية اليمنية يجعل تفاعلها مع قضايا الوطن الاجتماعية، أو بصورة أدق قضايا الوطن البعيدة عن المحور السياسي أقل اهتماما من قبلها عن تلك القضايا التي ترتبط بالبعد السياسي وصراعاته المختلفة، الأمر الذي لا يفقدها المساهمة في بناء الهوية الوطنية والثقافية وحسب، بل يفقدها مشروعية العمل في اطار هوية ثقافية وطنية تكون داعمة لها. ان نظرة الأحزاب السياسية للهوية الثقافة والوطنية تختلف باختلاف المنطلقات النظرية والايديولوجية لكل حزب، فمن البعد الديني والاسلامي الى فكرة القومية العروبية الى مسالة الاشتراكية، والاشتراكية الديمقراطية، الى تمجيد الجماعة أو الاسرة والفئة، وكلها معايير لاتجسد مسألة الهوية الوطنية.
ان عدم وضوح الرؤية لديها (الاحزاب) يعود الى بنيتها التنظيمية الداخلية، التى يغلب عليها الطابع الروي والمناطقي والعشائري... وهذا ما يساعد على تفكيك الهوية الوطنية.... حسن. فالشعور بالانتماء للوطن والامة والولاء لهما يعد أمرا جو هريا، لحل التناقضات الفكرية التي تمزق وعي الشباب وتكرس فيهم الأس من المستقبل وعدم الثقة بالذات.
**
ان فكرة الهوية الوطنية تبدأ عندما نبدأفي التعامل مع مجسدات خلق الشخصية الوطنية، وتنميتها من خلال تقدير كل ما ينمي الهوية والشعور بها، اما من خلال الرموز الفردية، أو من خلال تنمية........ الشعور بالانتماء للوطن،....... أو........
ان هدفنا مما سبق ليس التأريخ لحركة الإبداع فـي العصر الإسلامي أو تقدير المبدعين، بل إعطاء لمحة سريعة لتأثير التقدير على حركة الإبداع الفكري، وتوالده، كونها تخضع لعملية نفسية بحته، فكلما شعر المبدع بمكانته داخل المجتمع كلما كان ذلك دافعا له فى مزيدا من توالد الأفكار ومزيدا من الشعور بالمسئولية الملقاة على عاتقه.
إلا ان الذي يحدث فـي عصرنا الحالي أمرا عكسيا فالمبدع لا ينقصه التقدير فحسب من الجهات الرسمية الحكومية أفرادا ومؤسسات، بل وممن له علاقة به مباشرة وغير مباشرة سواء كانوا أفراد أو غيرهم. بل ينقصه قطعة الخبز الميسرة، والكلمة المشجعة، والموقف المعاضد، وأحيانا مد يد العون من قبل المحيطين وممن يفترض أنهم يشربون من نفس الكأس. لكننا نتعامل مع بعضنا البعض داخل هذا المجتمع ضمن مفهوم تقدير القمع، فالكل منا يمارس القمع ضد الأخر، وهو لا يعلم فـي نفس الوقت انه يمارس القمع ضد نفسه.
ففـي فترة من الفترات ظهرت كثير من الأصوات المبدعة فـي بلادنا ولكنها اختفت، واختفائها يعد نتاج طبيعي لعدم التقدير والاهتمام بالإبداع. والكثير من المبدعين توقف إبداعهم وهم لا يزالون فـي بداية الطريق، لأننا قتلنا فـيهم روح الإبداع تحت مسميات ومبررات عدة، فتارة باسم الحزبية وأخرى باسم العمالة وتارة باسم الأفكار المستوردة والخيانة والخروج عن تعاليم الإسلام وبتوقفهم نكون قد قضينا على تقدم بلد بأسره لعدة عقود من الزمن.
ونسينا أو تناسينا ان إيجاد مبدع واحد فـي أي مجال من المجالات عملية مستحيلة، كونها عملية ربانية يمتلكها بعض الأفراد دون غيرهم، وان إنتاج مثل هؤلاء بحاجة لمناخ خاص من الضروري توفره لكي يؤثر تأثيرا مباشرا وغير مباشرا فـي تكوين البناء الإبداعي عند المبدع كالتأثيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافـية والتربوية. ونظرا لهذه الصعوبة تعمل الشعوب والبلدان على تكريم مبد يعيها وعلمائها وشعرائها وثوارها، وتكرم كل من لهم ادوار بارزة فـي مجتمعهم من أطباء ومهندسين ومؤرخين وسياسيين، ورجال فكر وأدب، وتفخر بما أنجبت من رجال ونساء لعبوا دوارا فـي سبيل بلدانهم وشعوبهم بغض النظر عن أى انتماء أو نسب أو جنس ولون، ومنطقة وقبيلة، وطائفة ومذهب. وان اقل ما يمكن ان تقوم به تلك المجتمعات إطلاق أسمائهم على الشوارع والأحياء والمؤسسات التربوية والصحية والطبية. وتضع تماثيلهم فـي الميادين العامة والشوارع، لتقول للجميع ها نحن نقدر الإبداع الخلاق فـي كل المجالات، وها نحن لا ننسي من لهم دور فـي حياتنا، وفى اى مجال كان، وتطلب من الجميع ان يعتبروا هؤلاء مثلا أعلى لهم فـي الحياة ونموذجا يقتدي به. إلا نحن نستخسر أقل وابسط الأشياء نقدمها الى من أبدع وضحى من اجل هذا البلد وهذا الجيل. حتى بعض أولئك الذين نختلف معهم يجب إلا يكون هذا الاختلاف سببا فـي عدم تقدير الأخر، وعدم الاعتراف بقدراتهم الإبداعية وتميزه وتفوقه فـي مجال ما. بل ومن الضروري رفض فكرة الترابط بين الولاء الشخصي والتكريم والتقدير.
فهناك من أبدع فـي النضال السياسي، والأخر فـي العسكري وغيره فـي مجال الفكر والأدب.. وغيرهم فـي الرياضة والتعليم والطب.. الخ، ونحن لم نكافئ احد منهم، حتى فـي إطلاق أسمائهم على شوارعنا وإحيائنا. وكأننا نعاقبهم على ذنوب اقترفوها ونعطي الجيل اللاحق نموذجا واضحا فـي ان الإبداع والعطاء خسارة فـي الحياة وخسارة فـي الممات، وانه نوعا من المحظور الذي نلغي معه تاريخا كاملا لشعبا وبلدا. وطمسا لكل نموذج إبداعي خلاق يعمل على تفجير طاقات الأجيال المعاصرة واللاحقة. وربما نكون الوحيدين بين شعوب العالم الذي لا نهتم بالإبداع والمبدعين فـي حياتهم أو فـي مماتهم تحت تبريرات ومسميات واهية بعيدة عن الواقع، ولا نجد لها تفسير منطقي غير القمع المجتمعي من قبل المجتمع لذاته. وهو أشبه ما يكون نوعا من تعذيب الذات للذات. والنماذج عديدة ومتنوعة على ذلك.

مواقف مؤسفة:
ولكن ما يؤسف له ما يحدث أحيانا من بعض أساتذة الجامعات اليمنية، من تصغير الأخر علميا، ونقدا غير بناء، بل وبعيدا كل البعد عن النقد البناء والاختلاف العلمي الذي يعد أساسا لمظهر ثقافـي وإبداعي، ودليلا على توالد الفكر الإبداعي، و يعطينا إضافات جديدة فـي مجال الإبداع، ولكن ما يحدث فـي جامعاتنا بين زملاء المهنة قدوة الأجيال غير ذلك وينتمي الى التهكم والتقليل من شأن الأخر وإطلاق عبارات ان فلان لا يعرف فـي العلم شي أو لا يفهم، وفلان كذا، وفلان كذا، وغيرها من العبارات الأخرى المبطنة بمضمون ان قائلها الوحيد الذي يفهم كل شي أو فـي مجاله وان ما عداه لا يفقه شي، ظننا ممن يتبع هذا الأسلوب انه الأصح، بينما الحقيقة عكس ذلك تماما كون التقليل من ذات الأخر دلالة واضحة على استيلاء النقص العلمي والإبداعي لديه، وتسفـيه الأخر هو تسفـيه للذات، بينما الاختلاف البناء والنقد الذي يضيف شيء أخر فـي نفس المجال، إنما هو خلق إبداعي واضح. وتقدير غير منظور للجميع.
ان قيمة الإبداع تحولت مفاهيمها ومضامينها من قيمة ايجابية الى أخرى سلبية، وأصبحت اتجاها عاما فـي حياتنا يدل أول ما يدل على انه لا فائدة من إخراج طاقات الفرد الكامنة فـي أي مجال من المجالات الى الواقع ليهتدي وينتفع به الآخرين بلدا وشعبا. وإنما يتحول الأمر الى كبت داخلي تتولد فـيه الأفكار والمواقف وتموت قبل خروجها، لأنها لا تمثل قيمة لمنتجها. ولا تمثل قيمة أيضا لدى مستقبلها.
فهل تستيقظ الأمة العربية واليمانية وتعي ان تقدم الشعوب لا تتم إلا بتقدير مبدعيها، ومنحهم مكانة خاصة مادية ومعنوية، ليزيد ذلك من إبداعهم.

نماذج لا تشترى:
والكثير من المبدعين الذين لا يجدون التقدير فـي بلدانهم ولا من يلتفت إليهم يفضلون الخروج الى بلدان يجدون فـيها شروط أفضل لتقديم ما لديهم ولتحقيق أهدافهم وطموحاتهم وهو الأمر الذي لا يعني هروبا الفرد او مجموعة من الأفراد وإنما إهدار لأموال وطاقات بلد هي أحوج ما تكون إليها لتقهر تخلفها.
وإذا كان البعض يحل مشكليه على هذا النحو، فان البعض الأخر قد لا يستطيع التعامل مع هذا الأمر بهذه الصورة، لسبب أو لأخر ولا يتمكن من الخروج والبحث عن مجتمع جديد يحقق فـيه ذاته المقهورة فـي بلده ومجتمعه، فـيلجأ الى الهجرة الداخلية والتي هي عقاب للذات وانكفأ الى الداخل وبالتالي تقمع كل وسيلة إبداعية لديهم بالانطواء على الذات ويتحولون الى أداة غير فاعلة داخل المجتمع. ليس بفعل ذاته وإنما بفعل عدم تقديرنا له.
وإذا أردنا ان نعطي نموذجا وقدوة للأجيال اللاحقة فمن الضروري ان نعترف بأدوار الأجيال التي سبقتنا والمتميزين بأدوارهم ممن يعيشون بيننا. حتى نزيل عنهم الحسرة والإحساس بالغبن، لأن إحساس مثل هؤلاء بالغبن لا يجعلهم يجودون بعطاياهم، ويحبط الأجيال اللاحقة ويكبت طاقاتهم الإبداعية. لأن قدوتهم ومثلهم الأعلى لم يشعر بدفء الحب ووفاء والمحبين. بالإضافة الى ان تنمية الإحساس بالانتماء لديهم يأتي من خلال تقدير من أجاد وأبدع من الأجيال السابقة، عن طريق الأشياء المجسدة التي تترك أثرا واضحا تجعل الجميع يشاهدونها ويتذكرونهم ويلوكون سيرهم ومآثرهم دائما، حتى بعد رحيلهم بمئات السنين. وتجسيد مثل هذا الدور لا يأتي بحب الناس والمحيطين فقط، وإنما من خلال إحساس الجميع بضرورة تجسيد نماذج يقتدي بها النشء من أحفادنا، والأجيال اللاحقة. وليس من المهم ان نحب هؤلاء فـي حياتهم، ولكن المهم ان نشعرهم بالحب وان يحسوا ويشعروا بحبنا ووفائنا لهم ولما قدموه.
وهم ــ المبدعين والمتميزين ـ بحاجة للتقدير من ثلاث مجموعات ــ الأولى من المحيطين به ـ الأسرة والأهل والأصدقاءـ فاعترافهم بقدرته الإبداعية وطاقاته الخلاقة والمتميزة تعد دافعا له نحو المزيد من الإبداع، وتفجيرا للطاقات الكامنة لديه. وثانيا من المجتمع، باعتباره المتقبل لإبداعه والدافع له نحو المزيد من الإبداع وهو الملهم والمتقبل لإبداعه، وهو مرآة الأخر، فكل مبدع يرى صورته وذاته من خلال المجتمع. وثالثا من الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها، باعتبار أنها الأداة المنظمة والأم الحاضنة التي تنمي وترعى وتحافظ على القدرات الإبداعية لأبنائها. ومسئولة عن تجسد نماذج وقيم مستقبلية للأجيال اللاحقة.
وتكريم المبدعين وأصحاب الأدوار المتميزة، هو تكريم لثقافة بأسرها، تكريم لتراث امة وحضارة وطن وتاريخ بلد بأسرها. ولا اشك لحظة ان امة من الأمم على وجه هذا الكوكب تدوس على حضارتها، وتمهل تراثها وثقافتها، باعتباره ذات الفرد والأمة ومصدر اعتزاز وتفاخر الكل، عبر الأزمان والأجيال.
لذلك فان تراثنا وتاريخنا وثقافتنا، وكل ما يعبر عن هويتنا ويجسد شخصيتنا وينمي ذاتنا الجماعية، ويرفع درجة شعورنا بالانتماء والولاء الوطني، نحن بحاجة لأن نقدره ونكرمه بمختلف الوسائل والأساليب.
وكأستاذ فـي الجامعة، ومهتم بالتعليم الأساسي والثانوي، المس لدى طلابي ضعف الاهتمام بالنواحي الإبداعية، وتدني فـي المعلومات الخاصة بالإبداع والمبدعين. وهذا مؤشر خطير يدفعنا الى فقدان الهوية والذات الجماعية فـي المستقبل. نتيجة لفقداننا للنماذج والقدوة التي يمكننا اعتبارها مثلا أعلى فـي حياتنا. وباستمرار استمع لمجموعة من الدلالات اللفظية لدى طلابي تشير بوضوح لفقدانهم للنماذج والقدوة، وضعف الهوية والذات الجماعية لديهم، مثل "ماذا حصل فلان، وماذا صنعوا لفلتان، اخلص دراستي وأهاجر".. وغيرها من المقولات المشابهة. ومثل هذا يعود فـي اعتقادي لتجاهلنا، لكثير من المبدعين وأصحاب الأدوار المتميزة فـي مختلف المجالات، ولمن قدم نموذجا متميزا فـي حياته العملية والمهنية، لـ يمن الماضي والحاضر والمستقبل.
وهذا دليل على إننا لا نمتلك قدرا من الحب والوفاء، لكل من أبدع وتميز، لمن أعطاء وأجاد بالعطاء ولم يبخل به، مات فـينا الحب والوفاء للأجيال السابقة والأجيال اللاحقة ـ أبنائنا وأحفادناـ لأننا بخلنا فـي تقدير عطاء الأجداد وتجاهلنا مآثرهم، وأهملناها، ولأننا لم نقدر الأحفاد ونترك لهم نماذج ومثل يحتذون بها، ويأخذون العبرة منها مصابيح تنير لهم الظلام. ولأننا لم نحافظ على تراثهم ونحمله مشاعل فـي أيدينا نحو المستقبل، سلاحا نقاوم به الأعداء ونزين به محيط الأصدقاء.ومن لا يقدر مبدعيه لا يعيش عصره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمراجع

1- ماكس بيروتز، ضرورة العلم، ترجمة وائل اتاسي، عالم المعرفة، الكويت، ع245،1999م.
2-الكسندر روشكا، الإبداع العام والخاص، ترجمة غسان عبد الحي ابو فخر، عالم المعرفة، الكويت، ع144،1989م.
3-د/توفـيق الطويل، فـي تراثنا العربي الإسلامي، عالم المعرفة، الكويت، ع87،1985م.
4-د/زين العابدين متولي، الفلك عند العرب والمسلمين، ج2، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة،1997م.
5- احمد أمين، ظهر الإسلام، ج 1 ـ 2، دار الكتاب العربي، بيروت، ط5، 1969م.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق