الا يكفي هذا الانحدار لإنقاذ جامعة صنعاء؟!!!

الأربعاء، 30 يونيو 2010

1-2 السيرة الذاتية للشيخ عبد الله علي الحكيمي




السيرة الذاتية لزعيم الاحرار

الشيخ عبد الله علي الحكيمي



د. عبد الله معـــمــــــر

اجتمعت النسوة في ليلة ما ... من شهر ما... من ليالي 1900م، على صراخ إحداهن في قرية حُليس بالأحكوم حجرية اللواء التعزي... كان صراخ المرأة يرتفع ليعانق خرير الماء القادم من الناحية الشمالية لدار "سعد أحمد".. وضوء القمر الساطع .. مع صوت الماء، يعانق الزرع الأخضر في الأرض الطينية... لتتمكن تلك المرأة من استنشاق أكبر كمية من الأكسجين، أو الهواء كما تسمية النسوة التي لا تعرف ما هم الأكسجين، ولا من يساعد هن على المخاض غير تلك المرأة الطاعنة في السن ممن اكتسبت الخبرة ممن سبقها منهن.
بين أصوات النسوة... يظهر صوت الوليد ... تقول إحداهن ... اللهم صلي على النبي... انه ولد... بشروا ... على سعد، انه ولد... 
أسماه عبد الله .....

... كبر الصبي متنقلا مابين غيل الماء الذي لا ينضب طوال العام... و اللون الأخضر .... وكتاب القرية ... وحب الطين الممزوج بريحه العطرية التي تفوح في الأرجاء.، وكلما كبر في السن يزداد حبه لطين الأرض...

الصبي عبد الله .. ككل الصبية في قريته وقرى اليمن الأخرى .. محروم من المدارس والتعليم .. والصحة وكل ما يمت إلى إنسانية الإنسان اليمني والعيش الكريم بصلة .. الصبي عبد الله بدت عليه .. ملامح التأمل والتفكير والنظر إلى ما هو أبعد من قريته .. يتأمل من نافذته الصغيرة ليلاً فيرى نوراً ساطعاً .. وقمراً كأنه الشمس .. يزداد الليل سكوناً .. فيزداد صوت خرير الماء القادم من أسفل القرية بجوار الدار .. فيزداد القمر سطوعاً .. الصبي عبد الله يتأمل بعقله سر الربط بين كل هذا .. من يقوم بهذا .. التناغم .. من يدير ذلك .. ومن هو المسئول؟

اليافع عبد الله تتزاحم الأسئلة في ذهنه فيقولون له في "حُليس" إنه .. الله .. ولا أكثر من ذلك .. فالقائل لا يعلم أكثر من السائل!! ونهاية الدنيا عندهم نهاية الجبل المقابل أينما تغرب الشمس. ولاشي غير ذلك، تلك هي معارف الناس في عهد الإمامة ... جهل مطبق.

الله .. الله .. من هو الله .. كيف صفاته .. ما هي ماهيته ما لونه؟ ما .. ما ..
 
لا أحد يجيب ... لا أحد لديه إجابات!!

بغير الله ...... من نصلي ونصوم له ... وينزل لنا المطر من السماء! !

**
.... تسمع قرعات على الباب ذات ليلية .. مع أصوات و (نباح) الكلاب ..
لقد عاد من عدن .... علي سعد الحكيمي .. عاد من عدن....
ـــ يسأل .... أين عدن ؟؟
عدن أخر الدنيا ... بلد في البحر ... من يذهب إليها قد يعود وقد لا يعود... ولا شي غير ذلك.
ــ علي سعد ركب السيارة من الشيخ إلى المفاليس .. وفي المفاليس توقفت هناك حيث تنقطع الطريق .. استقل علي سعد الجمل كغيرة من أبناء قريته والقرى المجاورة .. ما بين راكباً وسائراً على قدميه.
بعد يومين كاملين من المعاناة ومكابدة الطريق يصل علي سعد إلى "المصلى" في سوق الأحكوم والقرى المجاورة .. يغسل قدميه بماء الغيل الجاري في وادي ذي العرش فيحس بدفء الأهل وحرارة عناق الأرض الخضراء، وحيرة وشغف ذاك اليافع في المعرفة .. يظل علي سعد ... سائراً بين الماء وقدماه تلامسان الرمل المبلل في أعماق الوادي لترتوي قدماه ... و يشعر به يسرى في كل جسده.

ــ يعانق ذاك اليافع يضمه إلى صدره فلم يره منذ سنوات .. يهمس في أذنه.
- لا تحزن ستكون معي عندما أعود إلى عدن.
- في عدن سيوجد من يجيب على كل تساؤلاتك.
- في عدن تزول الحيرة عنك؟؟

في عدن بحي المعلا – حجيف – هناك ستكون معي حيث يوجد رجال علم وفقه ولغة عربية ومعارف أصول الدين – وحيث ألعبادي، والقاضي عبد الكريم الهندي القدسي ، والشيخ قاسم سرور، ستكون معي .. حيث هؤلاء المعلمين الأجلاء لتنال بعض المعارف على أيديهم .. لن يعجز أحد عن الإجابة عن تساؤلاتك .. فهم خير ما في اليمن من معلمين في زماننا هذا.

**
عبد الله .... اليافع ذو الثالث عشر ربيعاً يصل عدن بعد رحلة معاناة ما بين السير على الأقدام والركوب على الجمال والحمير .. وما بين "المركوبة" تلك التي يراها لأول مرة .. تلك الآلة الشيطان التي كانت تعد في نظر اليمنيين من علامات يوم القيامة.
بعد معاناة استمرت لأيام يصل اليافع عبد الله إلى .. حجيف ... يظل يبحث عن المعرفة متنقلاً بين ثلاثة من أفضل رجال العلم والمعرفة في عصره.
تمر السنوات الخمس باحثاً عن إجابات لكثير من التساؤلات .. لكن التساؤلات تزداد والإجابات لا تتوفر .. فالمعرفة توفرها في يمن الحكمة والإيمان محدودة .. حتى وإن كان لديك الرغبة في توسيع المعارف .. فلا تجدها ..
تزداد الحيرة لديه أكثر .. فأكثر فيقرر الهروب منها إلى الأمام .. ثم الى الأمام
- تساؤلات.. لا تجد إجابة .
- تفكير عميق .. وتأمل واسع .
- صراع الرغبة يتجاذب ما بين الداخل الطموح .. والمحيط المقفر الأجدب.
لكن لا بأس .... الفتى ... حصل على معارف كثيرة ... وتعلم اللغة الإنجليزية.....
ــ يتأمل العمر إنه الثامن عشر يسأل عن التاريخ إنه العام الثامن عشر بعد الألف وتسعمائة.. حكومة الاستعمار البريطاني تقرر تدريب وتجيش كتيبة من أبناء اليمن ممن هم من خارج مدينة عدن "المحميات" فيكون للشاب عبد الله بن علي سعد أحمد الأشعري الحكيمي مكاناً فيها .. فربما في ذلك نهاية للحيرة وتوقف عن تزاحم التساؤلات في الذهن الواسع .. وربما يكون في الهروب إلى الأمام مخرج واستكانة لحالات القلق على المستقبل والخوف على الجيل الآتي من زمن أكثر سوءً ، مما هو فيه.
لكن الكتيبة اليمانية الأولى لم يكن بها الحال أفضل مما كان، وإن كان على الصعيد الشخصي وصل فيها الحكيمي إلى رتبة ضابط، لكن على الصعيد العام زادت من حيرته وأكثرت من التساؤلات لديه والمقارنات بين واقعه وواقع العالم الآخر. بل أظهرت للحكيمي أن عالمه اليمني لا يوجد له مثيل في السوء والرتابة والجمود والتخلف في كل بقاع الأرض. وإن كان مثل هذا غير جازماً فقد يكون ما في الذهن أضغاث أحلام في ليل الواقع..
إذا ... لا بد من اكتشاف المجهول .. لا بد من ركوب الموج والغوص في أعماق البحر بحثاً عن حبات لؤلؤ منثور في أعماق البحر المتوسط أو وسط الصحراء بين أسوار المدن .. إنه العشق .. إنه العشق المشتعل ناراً .. عشق العلم .. والمعرفة .. عشق الباحث عن إجابات لتساؤلات لا تنقطع .

***
إنه العام 1925م الشباب يتدفق في خطى الواثق بالمجهول يركب الشاب عبد الله علي الحكيمي الموج بسفينة فرنسية من ميناء عدن نحو مواني عديدة لا أحد يعرف متى ترسوا في الميناء القادم بعد أن تترك الأول.. تنتقل السفينة من مكان لآخر .. ومن ميناء لأخرى .. وفي كل ميناء يتوقف فيها يجد يمانياً مهاجراً تاركاً لوطنه.. وأهله .. بحثاً عن لقمة عيش يقتات وبقيت من هم في ذمته منها.. وقبل هذا و ذاك لا بد من ترك "حق الإمام يحيى وعماله جانبا".. في كل ميناء وجد الحكيمي حكاية .. حكاية شعب محروم من حق الحياة .. وأمة تئن وتصرخ من شدة المعاناة.. وجهل مطبق على السمح والبصر وخيبة أمل من تحسن الحال.. فالإمام هو الإمام ... عقيم الفكر والتفكير..... عدوا لشعبه وآمته.
... وتساؤلات تزيد من حيرته ...

خمس سنوات بين الأمواج وفي البحار خدمة لبلد غير بلده .. وأناس غير أهله .. لكنه القدر .. مثله مثل كل اليمانيين المشردين في كل بقاع الأرض... وسبيل في تغيير وضعه .. فالتعلم محدود .. والمعرفة قاصرة .. البلد غير بلده .. والبحر لا يغني بالمعرفة .. وبلده العيش فيها محال .. والحال زواله من المحال ..

توقفت سفينته كثيراً على مدى الخمس السنوات في أكثر من ميناء بشمال أفريقيا وفرنسا ومرسيليا .. وفي كل مكان كان يسمع عن الشيخ أحمد مصطفى العلوي الجزائري .. في كل مكان يسمع عن الزاوية العلوية .. يسمع عن مركز إشعاع في مقاومة الظلم .. وفي بلد يوجد من يستحق المقاومة لأنه ظالم.... يسمع عن مقاومة الاستعمار .. وفي بلد يوجد استعمار وآن له أن يرحل .... في ميناء يسمع عن سد جوانب النقص في المعرفة في الزاوية العلوية .. ولديه جوانب نقص يرغب في سدها .
زاد الصراع لديه فحلم نهاية العام 1930م بالشيخ أحمد مصطفى العلوي يدعوه .. فلما رست السفينة في الميناء نزل منها دون عودة .. سئل عن الزاوية العلوية وعن مدينة مستغانم وبينما هو كذلك .. استيقظ عند صلاة الفجر الشيخ العلوي ليجمع تلاميذه (سيأتيكم اليوم .. أو غداً رجلاً قصير القامة .. من بلد بعيد .. من الشرق يملئها الظلم والجور .. سيكون له شأن عظيم في بلده ).. ذاك هو الحدس الصوفي .. أو ما يمكن أن تسميه الاستشعار عن بعد "الطاقة الكهرو مغناطيسية".
تذرف قدمي "الشاب عبد الله" بعد صلاة العصر بوابة المسجد العلوي، مسلما على طلاب العلم حول شيخهم فيرفع رأسه على الصوت القادم الذي يسمعه لأول مرة ... (ذاك هو من حدثتكم عنه.... لقد رأيتك في منامي ... نعم أنت هو)، يجلس عبد الله بن علي الحكيمي بجوار الشيخ أحمد مصطفي العلوي لما يزيد على أربع سنوات، محت كل ما كان قبلها من سنوات عجاف ... وزالت الحيرة، وأجيب عن التساؤلات وردت الروح وغذي العقل .. حتى نال من شيخه الإجازة ... الشيخ "التام الكامل العام" لما أبداه من قدرة فائقة على الاستيعاب وفهم المعرفة وذكاء العقل، وحسن البحث، ونبل في الإطلاع. وفجأة تداهم سكرات الموت شيخه الجليل بعد أن أجازه مرشدا وداعية مسئولا عن الزاوية العلوية في عموم اوروباء، لكن الوفاء يمنعه من ترك مستغانم وشيخه طريح الفراش، ليظل بجواره حتى يوارى الثراء داعيا له بالرحمة والمغفرة ... حاملا الحزن بين أضلعه راحلا الى مرسيليا عن طريق باريس .... وفي مرسيليا يظل بضعة أشهر مع أبناء وطنه المهاجرين ... ويبدأ في تأسيس الجمعية الإسلامية العلوية في مرسيليا.كان ذلك في العام 1936م، والذي غادرها أيضا الى بلجيكا ثم هولندا ليستقر بضعة أيام في أهيو ... بهولندا...... ويصل بعدها الى ....
ــ ليفربول
ــ هول
ــ شيفيلد
ــ كاردف

..... لتكون كاردف مبتغاة ومضجعه الأخير ...... انه اليوم .... من شهر مايو 1936م, ليظل ثلاثة أشهر يدرس حال الجالية بضيافة حيدر سلام ألعريقي، من المهاجرين اليمانيين، ليقرر بعدها من أن كاردف أنسب مكان للإقامة, فعدد المهاجرين فيها كثير والتزامهم بقضايا الشرع والدين منعدم والأمية منتشرة بعددهم، وأبنائهم يزيدون عن 600 فرد كلهم يشبهون أبائهم في التعليم. والكلمة متفرقة والتباين حاصل على أشده، لا جمعية تجمعهم، ولا مساجد للجميع والجماعة اللهم إلا من بعض الغرف المتواضعة اتخذت في مؤخرة البيوت لمن يقيمون الصلاة، لا توجد لهم مقابر إسلامية يقبرون بها موتاهم، بل يقبرون على غير قبلة وكل ثلاثة وأربعة في قبر واحد، وقس على ذلك عقود الزواج، وتسمية الأبناء, وتربيتهم المذبذبة بين الديانتين، وهكذا في سنة الختان والذبائح الشرعية والشعائر الدينية على اختلافها.... وبعد أن درس الحالة ... رأيت ان خير وسيلة تحقق هذا كله تأسيس جمعية .. بواسطتها يمكنني اجتياز العقبات وتذليل الصعاب.
الشيخ رائداً للمجتمع المدني .. يقول عن أسباب اختياره لكاردف ... فقد درست الحالة ورأيت أن خير وسيلة أستطيع بطريقها جمع المسلمين إلى صف واحد والتخفيف من حدة بعض الخلافات وإيجاد شيء من النعمة، .. أقول رأيت أن خير وسيلة تحقق هذا كله.. هو تأسيس جمعية بواسطتها يمكنني اجتياز العقبات وتذليل الصعاب ... هكذا يتناول عمله في تنظيم شؤون الجالية بكاردف. شيخ المجتمع المدني .. شكل منظمات جماهيرية تدافع عن حقوق الجالية.
في كاردف يشرع الشيخ الجليل في تأسيس الجمعية الإسلامية العلوية كإطار عام ومرجعي لتنظيم شؤون الجالية الإسلامية، ومنها تنبثق كافة المؤسسات التنظيمية الأخرى، من المركز الإسلامي والزاوية الصوفية العلوية، ومدرسة لتعليم أبناء المهاجرين العرب والمسلمين، ومكتبة عامة، وقاعة للمحاضرات، ومكان عبادة لكل المسلمين .. مسجد نور الإسلام ..

الشيخ الداعية في كادرف .. لا يجد مكاناً يصلي فيه كبقية مسلمي كاردف البالغ عددهم حوالي 5000 خمسة آلاف نسمة يفتح صندوقاً للتبرعات الاشتراك في عضوية الجمعية فيشتري ثلاثة من المنازل المتجاورة بمبلغ خمسمائة جنية .. يدخل عليها تعديلات .. ويحولها إلى مسجد مؤقت.. وفي العام 1937م يفتتح المسجد للصلاة ويدعو إليه سفراء الدول الإسلامية.

الشيخ الداعية يستكمل تنظيم شؤون الجالية الإسلامية بكاردف يربط بين الدين والمجتمع المسلم .. يعرفهم بقيمهم الإسلامية في تعاملاتهم وإدارة شؤونهم .. الذبح قبلة .. عقود الزواج والنكاح .. غسل الميت ودفنه .. والأهم من هذا أوجد مقبرة خاصة بالمسلمين.

الشيخ الداعية ينخرط بين أوساط المجتمع الإسلامي ، والمجتمع البريطاني معلناً عن سماحة وفضائل الإسلام كدين خير ومحبة وسلام ، يتقرب منه عدد ممن أحبوه .. وأحبوا دماثة أخلاقه طالبين الدخول في الإسلام .. لا يترك امرأة متزوجة من رجل مسلم إلا ويدعوها إلى الدخول في الإسلام.
الشيخ الحكيمي الداعية .. يرى في العلم طريقاً وسراجاً منيراً لكل من يريد النور .. اهتم بتعليم أبناء المهاجرين ذكوراً وإناثاً .. علمهم الدين وأصوله .. اللغة العربية وآدابها .
استقر الحال وأثمر ما قام به من تنظيم للمجتمع المسلم في بريطانيا بسرعة فائقة وقدرات غير عادية برزت من خلال ذلك الشخصية التنظيمية والقيادية الفذة التي من خلالها برز الحكيمي كقائد وطني.
كان يرى في العلم نوراً ومشعلاً فراسل وزارة المعارف المصرية والأزهر الشريف مطالباً باعتماد منح لعدد من اليمنيين أبناء المهاجرين في بريطانيا فاعتمدت له خمس منح في العام 1940م سنويا.
لكن حبه لوطنه المرتبط بإيمانه، جعله يبحث عمن يحملون في أجوافهم إشعاع نور وبصيص أمل لتكون فاتحت الخير الأولى مع الأستاذ/أحمد محمد نعمان العام 1938م يشكو إليه الهم ويخبره بأن هناك مجموعة من أبناء اليمنيين يريدهم الوصول إلى الأزهر والذي يوافق على منح الشيخ الداعية خمس منح سنويا إلى الأزهر .... يشد الحكيمي الرحال إلى أرض الكنانة برفقة ثلاثة من طلابه فقط .. نعمان عبده علي العبسي، ونعمان محمد عبده القاضي ، وحمود سليمان .. ويتعذر سفر الأخيرين بسبب المرض .... تشق سفينتهم البحر لتصل إلى بور سعيد في 1 مارس 1940م. ليكون في استقبالهم الأستاذ أحمد محمد نعمان، و الهلالي محمد من الجزائر، وعثمان الأزهري، وزكي محمد شاهين من إدارة القنال وعدد من رجال الصحافة المصرية وفي مقدمتهم موفد عن أبي الحسن، محمد على الظاهر من جريدة الشورى المصرية.
الصحافة المصرية تتابع أخبار الرجل الواصل إلى الأزهر الشريف... ذاك الداعية الإسلامي الكبير في عموم أوروبا، وخبر مقابلته لشيخ الأزهر محمد مصطفي المراغي .. الذي بادره بالقول:
"لقد قمتم يا شيخ عبد الله بواجب كبير ، وأديتم رسالة الإسلام في أوروبا ، وهذا ما كان ينوي الأزهر القيام به ، وإذا بكم قد حزتم السبق فاستقيتم من الله الرضي ومن المسلمين الثناء". وتجري العديد منها الحوار معه وتبرزه كداعية إسلامية عظيمة ... يتنقل برفقة الأستاذ أحمد محمد نعمان ، والهلالي محمد والذي أصبح مسئولا عن البعثة في مصر، وعثمان عبد الله الأزهري، بين معالم القاهرة والإسكندرية، حتى غادرها بحراً إلى ميناء عدن ليصلها في إبريل من عام 1940م.
**
التعليم يظل هاجس الشيخ المعلم عبد الله .. بعد عشر سنوات من الغياب عن وطنه .. يزور أنحاء مختلفة من العالم يرى فيها أن العلم طريق النور والتقدم والرقي.. وأن العلم سبيل في بناء الأوطان .. وفي وطنه الكل محروم من العلم والكل يعيش في الظلام.. ما يدفعه لفتح مدرسة في سكنه بالشيخ عثمان فور وصوله إلى عدن.
لكنه يحن إلى صوت الماء، وعطر الأرض الطيني.. يحن إلى معانقة القمر لسنابل القمح وسط أصوات "الضفادع" بين أشجار "الدندل" .. وفحيح الأفاعي المتربصة بفريستها من الضفادع الليلية. ليعود إلى تلك القرية الصغيرة الأحكوم ـــ حُليس ــ قبل أن يفل العام 1940م .. يركب السيارة من منزله في الشيخ عثمان صوب لحج ثم يتجه غربا بين رمال "خبت الرجاع" نحو الوهط .. فالمفاليس ... تصل به السيارة الى المفاليس يحاول أن يترجل منها ... ينظر إليه السائق سفيان حيدر ... لا يا شيخ ... هذه المرة الى القرية ... الى المصلى ... الأحكوم ... حُليس .. توقفنا فقط للتفتيش ....
ــــــ تتجه السيارة نحو مجرى السيل القادم من الغرب ـــ وادي الصميتة ـــــ لبضع كيلومترات مع أصوات الماء بقطراته المتطايرة في كل الأرجاء ... تتجه السيارة يمينا نحو الشمال، لتسير في طريق القديم ، كان يعرفها جيدا ... إنها طريق الجمال المحملة بالبضائع من المفاليس نحو بقية مناطق الحجرية الأعبوس ، الأعروق، والأغابرة، والأعمور، والزبيرة، وقدس، والأحكوم، وشرجب، وذبحان، والمقاطرة، والأصابح، ..... الخ. حتى أن البعض منها كانت تصل إلى مدينة تعز.
ــــــ يتحدث السائق سفيان حيدر من أبناء عمومته .... أنا يا شيخ عبد الله أول من غامر في هذه الطريق، عام 1932م.
ــــ كيف !!
ــــــ كانت هذه طريق القوافل تمر بها الجمال والحمير لنقل البضاعة،* وعندما زاد عدد الجمال وسعت الطريق بنقيل العذير باليد والمفرس ... للجمال والحمير، لكن أنا قررت أمر بها بالسيارة اللندروفر ..... وأنت تعرف .. بعد العذير الواحد يرجع السائلة نفسها ... على طول بالسيارة إلى المصلى ... والسائلة لا تحتاج رصف ولا تسوية ... وأنا أول واحد يصل بالسيارة قبل ثمان سنوات إلى بركة المضيق ... أنت تعرفها قبل المصلى بحوالي واحد كم ... بعدها كل أصحاب السيارات الذي كانوا على الخط ( ساروا بعدي) ... والآن المصلى مدينة ليل ونهار شغال. أكثر من ثمان سيارات في الأسبوع تصل من عدن ركاب وبضاعة ... حتى السيارات الكبيرة تصل عنتر ناش " السيارات الأمريكية أنتر ناشيونال" .
كان يحكي ... و الشيح يزداد انشراحا لما يسمعه من كلام...
المصلى ... لا تبعد عن داره سوى بضع أمتار .. أصبحت سوق تجاري ونقطة تجمع وعبور لكافة المناطق في اللواء التعزي ... ذاك السوق الصغير أصبح مركزا اقتصاديا مهما ... وبوابة عبور لعدن ... ومن ثم لكافة أنحاء العالم.
تنتهي السيارة من العذير صعودا .. وهبوطا.. لتنحرف قليلا نحو مجرى السيل مرتا ثانية .. فالسائلة لا تحتاج إلى شق أو تسوية لتمر السيارة... فالله سواها منذ الأزل بما ينزل بها من سيول من المرتفعات الجبلية لقرى الحجرية....
ــــــ تشق السيارة طريقها وسط الوادي ... وادي الأثاور ... والأعبوس ...متجه نحو الغرب صوب وادي ذي العرش تعانق الرمل الصخري الممزوج بأحجار السيل المتكورة .. فتارة تلامس إطاراتها أحجار الوادي المختلفة الأحجام ... وتارة أخرى تلامس الرمال ... وما بين هذا وذاك يترنح الشيخ يميننا وشمالا .. مع حركات السيارة التابعة لما تلامس إطاراتها.

بين قصص وحكايات أشهر سائق و أول سائق في الخط الممتد من المفاليس الى الاحكوم ـــ المصلى ـــ بينما يتأمل الشيخ لحظات اختفاء الشمس خلف الجبال المرتفعة بينما الساعة تتجاوز الخامسة ...
لكن أشعة الشمس المتسللة من خلف الجبال تظهر خيوطا بيضاء ممزوجة باللون البنفسجي المتعدد الألوان بين السحب ... بمنظرها السحري الذي لم يشاهده منذ سنوات ... إنها أوتار متناغمة ... تصلح للعزف ... تعطيه أجمل نغم ... من إبداع الخالق....
..... تستمر السيارة في السير غربا مقتربة من وادي ذي العرش ... تلامس ... الوادي ليلا فيزداد سكونا ... ليستمتع بريحه الموز .. المنجو ... الذرة ... وبقوليات الوادي بينما كانت الجبال المحيطة بالطريق ... تزيد صوت السيارة ارتفاعا كلما ضاقت الطريق... لتعطي نغما يزيد من سحر المكان ... بوادي ذي العرش ... أضواء القمر .. والأرض الطينية الحبلى بخيراتها .. أصوات الماء بقطراته المتطايرة من تحت الإطارات ... يا لله كل ذلك يزيد من سحر المكان....ويدغدغ مشاعر وأحاسيس لم يعرفها من قبل مطلقا.
ليعود إلى قريته .... ليعود إليها حاملا بيده مشعل النور لأبناء قريته .. قصصاً وحكايات عما شاهده في العالم .. عن مدن رآها .. وقطارات ركبها .. وطائرات حلقت في الأجواء .. عن سفن في البحار .. وليالي مدن منورة من صنع الإنسان وكله بالعلم الذي يفتقد إليه الجميع وطنه.. ليشرع في بناء الزاوية العلوية .. وكتاب لأبناء قريته الصغيرة .. أو مدرسة .. تنير لأبناء قريته الصغيرة الطريق.
يتوافد الطلاب عليه من كل صوب وحدب .. ويعلن يوم الافتتاح.. يقيم حفلاً .. الطالب/ مقبل معمر ينوب عن زملائه الطلاب بالحديث أمام الجمهور .. يشيد بمعلمه وقدوته .. الذي اختار طريق النور في خدمتهم.
يشاع خبر الافتتاح .. يتوافد عطشى العلم عليه من كل مكان .. يصل خبره وخبر مدرسته إلى عامل الإمام في التربة الذي يبرق لأمير اللواء التعزي أحمد ولي العهد .. يطلبه في الدخول إلى تعز الشيخ المعلم .. يصل تعز وسط ظلام دامس .. ظلام العلم .. ظلام الكهرباء .. وظلام الحق والحقيقة ليكون الأمير أحمد مرحباً وسهلاً به مبتسماً ليضمه إلى ثناياه .. وحاشيته.

أحمد يا جناه .. صائد مخادع لفرائسه .. ينصب شباكه فيرمي بشباكه لأول مرة .. "يعين الشيخ الحكيمي مرشدا عاماً للواء التعزي براتب ستون ريال شهرياً" ستون ريال فرنصي شهرياً مقابل السكوت .. والخضوع .. وعدم مقاومة الظلم .. أو إبقاء شعبه مقفل العينين ..

الحكيمي المقاوم للظلم .. داعية التنوير .. محب الوطن العاشق .. يجد إلى جواره في تعز الأستاذ/أحمد محمد نعمان والأستاذ/محمد محمود الزبيري ، يتبادلوا الأفكار التنويرية مع زيد الموشكي، وعبد الله عبد الإله الأغبري وآخرون وسط ظلام الليل، وعلى سراج (الكوروسين) هبة الإمام إلى شعبه العظيم صاحب الأمجاد والتاريخ المنير، يقترح عليهم تنظيم المعارضة فالجهود الفردية لا تكفي ، والدعوة إلى الإصلاح فردياً لا تقبل واليمن بحاجة لأن يشرق عليها الفجر ، يزايد عدد النخبة المثقفة من أبناء اليمن حوله .. يدافع "الحكيمي" ويدافع عن موقفه بضرورة تشكيل معارضة منظمة تستطيع أن تضغط على الإمام في اتجاه التغيير يعلن في جلساته أن لا خلافات له.. ولا عداوة مع أحد "وكل ما في الأمر هو .. وجود العدل .. وتغيير الوضع الراهن في اليمن ، وتأمين المواطنين وإصلاح أحوالهم ، وأهالي اليمن بما فيهم ... جلالة الإمام كلهم يعدون أقاربي أحب لهم الخير والهناء والسعادة والرخاء وعلى وجه العموم فليس بيننا إلا حب الخير لليمانيين واليمن الذي هو وطن الجميع".
تلك كانت مطالب الشيخ المقاوم .. ووجه الخلاف بينه ورفاقه الأحرار والإمام. والذي علم بها الأمير أحمد ولي العهد .. فجن جنونه .. أحمد يا جناه .. يأمر بالقبض على الشيخ المقاوم .. سرى الخبر في مسامعه همسا .. فما كان من داعية التنوير إلا الرحيل إلى القرية .. مدعياً المرض .. وفوراً اتجه إلى عدن .. دون عودة، حبه لوطنه أخرجه منه ليلا ... "بعد أن كتب لي زيادة وطن أحبه، حباً مرتبطاً بإيماني". ... وفي اليوم الثالث لرحيله من قريته يصل عامل الإمام حسين الجنداري برفقة رتل من العكفه إلى منزله .. فلم يجدوا غير تلك المرأة الطاعنة بالسن .. من أنجبته قبل أربعون عاماً ونيف .. والذي يبدو عليها العمر أكبر من عمرها الحقيقي بسنوات، فالإمام لم يترك أحد يعيش .... لكن الشيخ المقاوم داعية التنوير كان قد وصل عدن عبر المفاليس .. لا أحد يلحق به.. فكانت أثاث البيت ومحتوياته بديلاً عنه .. استباح القاضي حسين الجنداري كل محتويات المنزل .. وهدمت الزاوية وترك المنزل خاوياً بعد أن سلم من الهدم بضغط من أهل القرية.

داعية التنوير يخاطب ولي العهد "أنت من عينني مرشداً عاماً للواء التعزي أنصح الناس، أنت أولى بنصيحتي .. الخ. ... الحكيمي صوتاً من أصوات الحق يعلو في أذن ووجه ولي العهد لا تنتهكوا أعراض الناس وتريدون منهم أن يكونوا معكم لا تظلموا.. لا تفسدوا في الأرض .. لا تحرموا الناس العلم .. وتجعلوهم وسط الظلام .. لا تحرمونهم من الطرقات والعلاج إن كنتم تريدونا معكم ..

الشيخ المقاوم يجد نفسه في عدن أكثر إصراراً على تنظيم حركة المعارضة.. اليمانية... يصل إليه النعمان والزبيري عن طريق كرش بعد أن كانوا قد احتجزوا من قبل الإنجليز بصحبة نعمان عبده علي العبسي ذاك الموفد من كاردف إلى الأزهر، وكان يعمل حينها مترجماً مع الحاكم البريطاني في عدن بعد أن أنهى دراسته في الأزهر، والذي وفد إليهما بسيارة من سيارات الحكومة البريطانية إلى كرش لاصطحابهما. فكان وصولهما شداً لأزره.. ودافعاً نحو استكمال الهيكلة التنظيمية للصفوة اليمنية "معارضة الصفوة".
يشتط أحمد يا جناه غاضباً.. وتزداد عيناه جحوظاً، الحكيمي/ النعمان/ الزبيري، يلتقون معاً .. إنه الخط الأحمر الذي لا استقرار بعده . .. لكن الثعلب .. أحمد يا جناه يبحث عن وسيط لشق الصف الثلاثي.. ليكون الحكيمي وسيطاً معاكسا بين ولى العهد والنعمان والزبيري ، ويعودون إلى تعز ... ويهدأ الحال قليلاً .. فما لبث ثعلب الحكم إلا أن يجوع ثانيتاً.... ليعود النعمان ، والزبيري إلى عدن .. ترفض الحكومة الاستعمارية منح حزب الأحرار تصريحا .. لتكون الجمعية اليمانية الكبرى بديلاً عنه .. يتحقق الحلم لدى الشيخ المقاوم بتشكيل معارضة منظمة يتنفس الصعداء شامخ الرأس ناضراً نحو الغد.... الآن يوجد عطاء منظما، وضمان لاستمراري هذا العطاء.. الآن لا خوف إما أن يصلح الحال أو أن بقاء الحال من المحال..
لم يكن يوجد أي خيار آخر غير المعارضة المنظمة بالرغم معارضة الاستعمار لتشكيل حزب الأحرار لكن اليأس لم يسيطر عليهم ، وإنما أعلنوا عن تشكيل الجمعية اليمانية الكبرى في بداية العام 1946م.... وكذا الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها والتي أخرت الشيخ المقاوم عن العودة إلى كاردف لمواصلة رسالته، لمدة تزيد عن خمس سنوات، زار خلالها مكة للحج ثلاثة مواسم متتالية، قابل عدد من رؤساء الجاليات العربية والإسلامية في الحج ... من الشام ... وفلسطين .... ومصر ... كما التقى الشيخ حسن البناء، والملك عبد العزيز وولي عهدة الأمير سعود، والأمير فيصل، كما قابل شيخ الإسلام الشيخ محمد بن ياسين الفاداني وتدبج معه، أي أجاز كل منهما الأخر، وروى للشيخ الفاداني، والملقب بمسند العصر، عن شيخه أحمد مصطفى العلوي، وعن شيخه قاسم سرور، والعلامة الشيخ عثمان الأزهري، جاء ذلك على لسان الشيخ الفاداني (المتوفى في 1410هـ) في مخطوطة المسمي (الكواكب الدراري) في معرض حديثه عن الشيخ الحكيمي( ص 235 مراسلات بين المؤلف والدكتور يحي الغوثاني) .
ــــ وفي الثاني عشر من مايو 1946م استقل السفينة من ميناء عدن متوجهاً إلى كاردف يرافقه نعمان العبسي، ونعمان القباطي من أعضاء بعثة الأزهر، ليصل إليها في 5 يونيو 1946م.

الشيخ الداعية يشرع فور وصوله إلى كرديف في بناء مسجد نور الإسلام، ويتسلم رئاسة الجمعية الإسلامية العلوية.. الإطار التنظيمي لمسلمي بريطانيا وكارديف التي من خلالها انبثق الحكيمي في تنظيم شؤون الجالية الإسلامية باشتراك أسبوعي للمنتسبين قدره ستة بنسات فقط. وبتلك البنسات استطاع الحكيمي أن يدير الجالية الإسلامية بصورة تنظيمية فائقة كأول شخص يحاول تنظيم الجالية الإسلامية في بريطانيا وأوروبا.
الحكيمي زعيماً.. مناضلاً صلباً تواقاً للحرية يصل إلى كاردف في 22 يونيو 1946م, للمرة الثانية، وفي سبتمبر من نفس العام يوجه رسالة لأمين عام جامعة الدول العربية في أقل من عام على تأسيسها.. يعرض فيها قضية اليمن كسابقة لتدويل قضية الشعب اليمني ونقلها إلى المحافل الدولية.. ثم يوجه رسالة ثانية وثالثة .. والرابعة .....الخ, يعرض فيها معاناة شعبه تحت حكم وظلم الإمامة. الحكيمي.. الزعيم السياسي.. يلتقي عبد الرحمن عزام في لندن باجتماع رسمي يوم 14سبتمبر 1946م لشرح قضية اليمن لعبد الرحمن عزام، ومعاناة شعبه وأحراره في السجون.

الشيخ داعية لتسامح الأديان .. يعكف في العام 48/49م على دراسة الكتاب المقدس وكتاب العهد القديم، والعهد الجديد للاستعانة بذلك في محاورته للكنيسة البروتستانتية. ويستفيد في تأليف كتابه "دين الله واحد" والأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام. مستعينا بذلك وبعدد من وبكتب عدة لرواد الفكر الأوروبي ..... داعية التسامح.. حاور الكنيسة البروتستنتية في سوث انجلترا عام 1949م، فكان للصحافة الإنجليزية أن تتبعت أخبار هذا الحوار .. ثم تابعت أخبار كتابه عن ذلك الحوار "الأسئلة والأجوبة بين المسيحية والإسلام" لأنه أذهل أهل الدين بمعارفه عن دينهم، ودينه ... الحكيمي المحاور .. في ليلة 3 أغسطس 1949م استدعي لكنيسة (برث) من قبل جمعية الرجال المسيحيين، فكان محاوراً ناجحاً سلب عقول وفكر محاوريه من قساوسة ورهبان بإجابته على 45 سؤالاً أثمرت كتاباً مكوناً من 113 صفحة، وكتاباً آخر عمد إلى تأليف عن واحديه الأديان أسماه "دين الله واحد".

الحكيمي رائد التنوير سبق عصره في زمن الأمية والجهل يرى في عملية التنوير وبث الوعي وتصحيح مدارك الجماهير أمراً مهماً في تحقيق التغيير وتفادي فشل ثورة 1948م .. يهرب من ذلك الفشل الى الأمام كما هي عادته دوما ... ويسجل الهروب رقم.... ويرى في الصحافة سبيلاً في التوعية .. وفي فضح زيف الحاكم المستبد أحمد وما تدعيه من زيف.

ــ ففي 6 ديسمبر 1948م يظهر العدد الأول من أدائه في التنوير والحرية ومقاومة الظلم .. السلام أول صحيفة تنطق العربية في بريطانيا، وأوربا على الإطلاق، يؤسسها ويرأس تحريرها ويصدر منها 107 أعداد, حتى العام 1952م، معتبرا الصحافة أعظم وأنبل رسالة ومهنة على وجه الأرض. أما القس رئيس المحاورين له في كنيسة برث، فيرى فيها أعظم أعماله في أوربا وبريطانيا على الإطلاق، كونها أول صحيفة تصدر في أوروبا بالعربية.

**
الشيخ الوفي .. في 11 مايو 1950م يهزه الشوق والوفاء وحنين العودة إلى الجزائر .. يغادر كاردف مروراً إلى بلجيكا .. باريس مرسيليا .. ويلتقي بعدد من الجالية اليمنية هناك .. يحثهم بالتبرع للأحرار .. ويذكرهم بوطنهم الجريح .. يظل بين أفراد الجالية اليمنية عدة أيام بضيافتها ثم يتجه جواً إلى وهران .. ثم مستغانم .... فقراءة الفاتحة على قبر المعلم والمربي أحمد مصطفى العلوي .. ثم يتوجه إلى غيلزان .. وأسطيف .. وعنابة. زار بلاد القبائل الجزائرية .. وطاف بعدد من الزوايا العلوية .. لكن حنين الشوق الجزائر لم ينسه وطنه .. فكان لقائه بعدد من المهاجرين هناك طالباً منهم التبرع للأحرار والارتباط بالوطن والتواصل مع الداخل.
الشيخ بعد أن بادل الوفاء بالوفاء.. وعاد إلى كاردف بعد شهر من الغياب ليمارس مهامه. الشيخ المجاهد يزيد من الضغط على الإمام أحمد فيصبح الهاجس الذي لا يغيب عن البال .. رسائله المفتوحة عبر السلام للإمام أحمد ولجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، ولجنة حقوق الإنسان، والرئيس الأمريكي ترومان، ونشره لفساد الحكم، وممارسات الظلم.. كلها أيقظت مضاجع الطغاة.. لتوجه ضده أشرس حملة من قبل الإمام أحمد.. جند صحيفة سبأ في عدن لمهاجمته بقسوة وصحيفة النصر .. بل استمال الإمام مساعدة حسن إسماعيل مفضل الشميري .. لإزكاء نار الفتنة .. يشتد الخلاف انطلاقاً من معارضة الشميري لموقف الحكيمي في مهاجمة الإمام والتي وصلت إلى حد تصام أتباع الطرفين .. وتدخل الأمن الإنجليزي لفظ المنازعات ... لقد كان معارضاً قوياً للحكيمي وأفكاره الثورية بالتنسيق مع ممثل الإمام في لندن حسن إبراهيم ولم تكن المعارضة تقف عند هذا الحد بل امتدت إلى ما هو أسوى ... القتل .. ويبد من بعض الوثائق أن حسن إسماعيل كان ضمن المكلفين بمهمة التخلص من الحكيمي. .. والذي استماله الإمام أحمد بعد فشل ثورة 1948م، وبعد أن زار مكة للحج .. وفي برقية للأمام أحمد من ممثله في لندن حسن إبراهيم تشير إلى أن حسن إسماعيل عازم بعد الحج إن شاء الله، ويلزمه تعيين أعضاء حوله ضد الرجل حسبما أفدتم".
الحكيمي يترفع عن كل هذا .. ويستمر في أداء رسالته حاملاً مشعل النور بيده .. متجهاً نحو الهدف الأكبر، الدفاع عن حق شعبه في الحياة ... والعزة والكرامة .. وفي سبيل ذلك يتحمل من قبل نائبه السابق وتلميذه أشد وأسوا الألفاظ ... لم يشتمني أحد من قبل إلا عندما .... دافعت عن حقوق الشعب.
في ذروة الخلاف وسخاء الدعم من الإمام أحمد لمن يعارض الشيخ، تجري محاولة لاغتياله في بريطانيا لينتقل إلى رحمة الله مساعده في المركز الإسلامي حسن شير من الصومال بثلاث رصاصات أسكتت قلبه إلى الأبد في 15 مايو 1951م لكنها مثلت للشيخ الحكيمي ناقوس الخطر الذي كان مثابة الإشارة نحو مسلك الشر المتربص به، مع ازدياد المضايقات الإنجليزية له ... يقرر العودة إلى عدن وإصدار صحيفة السلام من عدن .. تعود المطبعة وأجهزتها إلى عدن. لكن الغالبية العظمى من اليمنيين إن لم يكونوا جميعاً يعملون في الميناء والبحر .. ومن هم أنصار حسن إسماعيل مفضل الشميري ومن يدينون بالولاء للإمام كثيرون منهم أيضا تحت إمرة حسن إسماعيل. أحدهم يدس مسدسان وسيف بين أدوات الطباعة .. لتصل إلى ميناء عدن.

**
الشيخ يحمل قضية وطنه ويعود عبر بلاد الشام فلسطين ولبنان وسوريا ومصر ثم السودان .. يشرح قضية وطن .. وهم أمة يحث اليمنيين على مقاومة الظلم، والثورة على الإمام ومساعدة الأحرار والتبرع لصالحهم .. ويشد من أزر الجميع ويدعوهم إلى الوحدة.
و في مصر يقابل الرئيس محمد نجيب الذي يهمس في أذنه لقد علمتنا كيف نثور على الظلم يا شيخ عبد الله.... يسلمه مذكرة تحمل عنوان "محنة الشعب اليمني"(10) يشرح فيها أوضاع اليمن وما يعانيه الشعب اليمني من ظلم حكم الإمامة. ويطلب المساعدة بالوقوف إلى جوار الشعب اليمني فيما ابتلاه الله.... يغادر مصر إلى السودان ليلتقي بالشيخ يحي الشرفي والأحرار في السودان .. ثم يتوجه إلى عدن .
**
الشيخ سجيناً في عدن لدى السلطان البريطانية ففي يناير 1953م يقتاد الحكيمي إلى السجن الاستعماري بتهمة تهريب السلاح، يلتف الأحرار حول زعيمهم يدفعون الكفالة المالية ريثما يصدر الحكم، يحاكم في عدن.. ويصدر حكم محكمة الشيخ عثمان درجة أولى بالحبس عام مع الأشغال ليكون في ضيافة الحكومة لمدة عام.. "ولا تنسى أن حياة الأحرار في خطر دائم اثبت وثبت الأهل" هذا خاطب لابنه عبد الرحمن وأحبهم إلى قلبه، في أول أيامه في السجن ... لكن أحرار اليمن يستأنفون الحكم بمحكمة كريتر ليخفف إلى عام ووقف الأشغال، يرفع أحرار اليمن الأمر إلى المحكمة العلياء في نيروبي بكينيا وتسقط التهمة عن الزعيم ... ليطلق سراحه في 17 يوليو 1953م بريئاً مما وجه إليه من تهمة، لكن داء ... سم ... الخيانة كان قد دس له في طعام السجن، بعد أن أرسل شخصا مخصوصا لذلك الغرض من الحاكم الإسلامي إمام اليمن أحمد بن حميد الدين.
وفي السجن يشرع في تأليف كتاب دعوة الأحرار وينتهي منه، ثم يشرع في تأليف سيرته الذاتية... لكنه لم ينتهي من كتابتها فقد كان القدر أسرع.
إلا أن حب الناس له ونموذجه المشرف في مقاومة الظلم وطغيان الإمامة جعل الكل يلتفون حوله أثناء عمليات المحاكمة... مظاهرات صاخبة وتنديدات بالاستعمار والمحاكمة كانت تستمر في كل جلسة من بدايتها حتى نهايتها... ثم يتوج هذا الحب بانتخابه رئيساً للاتحاد اليمني في اكتوبر 1953 لكنه لم يسقط كلمة الحق في وجه الحاكم الظالم، فيوجه في 15 نوفمبر العام 1953م، رسالته الأخيرة للإمام أحمد ـــ بمطالب الأحرار ـــ ومع غروب شمس يوم 4 أغسطس 1954م يغيب عنا النور فلا نرى نوراً بعده .... حتى فجر ألـ 26 من شهر...........................

اخدم وطنك بصمت، آخر عبارة يهمس بها الحكيمي
في أذن ابنه عبد الرحمن
قبل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله























ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* لكن الطلب تزايد على السلع الحديثة والمتطلبات الضرورية لأبناء الحجرية من المستعمرة البريطانية عدن .. ولم يعد لدور الحمير والجمال جدوى في توصيل البضائع من المفاليس والوهط لكافة المناطق، فكان لزاما على البعض التفكير في ايجاد سبل أفضل لتوصيل المتطلبات للمناطق الأكثر بعدا لاسيما وأن لبعض ممن هاجر لمدن القرن الإفريقي بدأت عائداتهم تصل لمناطقهم.

يضاف اليه أن نفر قليل من أبناء الاحكوم المتواجدين في المستعمرة عدن امتلكوا سيارات صغيرة نوع " لند روفر، وهوستن، " وفي ذات الوقت وجد لديهم حب المغامرة، كان على رأسهم سفيان حيدر، وأحمد القدسي، من صبن قدس، ممن كانوا قد عملوا بسياراتهم على نفس الخط، ـ دار سعد، المفاليس ـ فكانوا كغيرهم ممن يتركون سياراتهم عند أخر نقطة تصل اليها السيارات من عدن، ثم يرتجلون بقية المسافة محملين بما اتو به من عدن على ظهورهم أو على الحمير والجمال.

وبما أن خط السير من المستعمرة كان يمر عبر منطقة صحراوية ( خبت الرجاع) وهي طريق غير معبدة بل شقت بفعل تكرار مرور السيارات من دار سعد إلى الوهط ثم تتجه السيارات غربا عبر مجرى السيول ( السائلة) لبضع كيلومترات الى المفاليس وهي نقطة جمركية أقامها الأتراك ومن ثم الامام كحدود فاصلة بين الشمال والجنوب، لتتوقف السيارات بعدها عن مواصلة السير لوجود حاجز صخري كبير الارتفاع وسط (السائلة) يصعب التعامل معه وفق امكانية المواطنيين أو حتى الدولة أن ذاك، بالإضافة لارتفاع جبلي وصخري من الجانبين لم يكن يسمح بمرور حتى لوسائل النقل التقليدية (الحمير، والجمال) مما فرض على المسافرين تحويل الطريق عبر مجموعة من المدرجات الزراعية التي تعلوها هضبة صخرية لكنها أقل وعورة (العذير) لم تكن بحاجة سوى لتعديل طفيف لتتمكن السيارات من السير عبرها.

تلك الهضبة ظلت ولفترة طويلة طريق سير للمسافرين إلى عدن من مناطق الحجرية المختلفة، وكذا طريق مرور الجمال والحمير، بهدف مواصلة السير من ـ المفاليس ـ لبقية عزل الحجرية الأعلى (الاعبوس، الاغابرة، الاعمور، الاحكوم) كان لابد من تسوية الطريق مع ارتفاع الصخرة الكبيرة مستحيلا، فقد فضل الراغبون في المغامرة تسوية بعض الاماكن التي هي بحاجة لذلك في الطريق المعروف بالعذير والاستعانة بالايدي العاملة التي قامت بتسوية الصخور الصغيرة بحيث تمكنت السيارات من المرور عبر (عقبة العذير) ثم تواصل السير غربا عبر الأراضي الزراعية منحدرة صوب مجرى السيول في كل من الأثاور، والاحكوم، حتى تصل إلى نهاية الأحكوم، وسوقها الرئيس المصلى.

وينقسم سوق المصلى الى قسمين : المصلى العليا وتضم عدد من المحلات التجارية، وموقف مرتفع عن مجرى السيول، تقف فيه السيارات ففي فترة الانتظار. والمصلى السفلى، تبدأ فيها المحلات التجارية من مشارف المصلى على مشارف مجرى السيول نحو الداخل.

كان سفيان حيدر الحكيمي أول من وصل بسيارته الى مشارف المصلي، والذي لم يتمكن من الوصول الى السوق الرسمي لوجود حاجز مائي كبير في مجرى السيول معروف باسم بركة المضياق.

وصول السيارة بقيادة السائق (سفيان حيدر) جعل كل من في السوق والقرى المجاورة له، والدارسين عن الفقية يتجهون صوب هذا المخلوق العجيب والذي يرونه لأول مرة في سوقهم الساعة الحادية عشرة ظهرا. شبهها البعض في صوتها بالثور والبعض من النسوة رأين فيها الجوع والعطش فحاولت بعضهن تقديم ما يروى عطشها ويشبعها من الجوع، والبعض رأى في سخونته هيكلها أنها بحاجة لأن تستظل وترتاح من العناء، كل هذا حاصر قائد السيارة (سفيان حيدر) وهو يرد بزهو وانشراح كونه الوحيد الذي يعرف السر العجيب، لكن ما لبث أن عاد نحو الشرق ـ المفاليس ـ مع الساعة الثانية والنصف ظهرا، مسجلا الرحلة الاولي لأول وسيلة مواصلات عصرية تصل الى سوق المصلي، وتخدم كل مناطق الحجرية بعد ذلك، وصلت خدماتها إلى منطقة الضباب قرب تعز، عبر قوافل من الجمار والحمير، بل وأمدت تعز بالبضائع، في فترة من خمسينيات القرن العشرين.



هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم دكتور ساكون شاكر لك لو تعطينارابط تحميل كتاب دعوه الاحرار للشيخ الحكيمي بحثت في كل المواقع ولم اجده

    ردحذف
  2. الشيخ المجاهد / عبد الله علي الحكيمي شيخ الاحرار كرس حياته لمقارعة الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن ومقارعة حكم الامامة في شمال اليمن في منتصف القرن العشرون قام بأنشاء الجمعية اليمنية الكبرى وجمع بين النعمان والزبيري ورفاقهم من الاحرار سافر الى دول شمال افريقيا جميعا واثيوبيا والدول المحيطة بها واكثر دول اروبا لشرح وضع اليمن وايضا لتأسيس المدارس الاسلامية في اروبا وانشاء اول مسجد في بريطانيا في مدينة كاردف واصدر صحيفة السلام لسان حال الاحرار ....

    ردحذف